الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنّ حق الأمّ على ولدها عظيم، وبرّها وطاعتها في المعروف من أوكد الواجبات، ومن أفضل الطاعات، لكن الطاعة لا تكون إلا في المعروف. فإذا أمرت الأمّ ولدها بفراق زوجته لغير مسوّغ، فلا تجب طاعتها في طلاقها، ولا يكون الولد عاقا لأمّه بعدم طاعتها في طلاق زوجته، بل قال بعض أهل العلم بتحريم طاعة الأمّ في طلاق الزوجة في مثل هذه الحال.
قال ابن مفلح -رحمه الله- في الآداب الشرعية: وَنَصِّ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ: إذَا أَمَرَتْهُ أُمُّهُ بِالطَّلَاقِ، لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُطَلِّقَ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي الْأَبِ.
وَنَصَّ أَحْمَدَ -أَيْضًا- فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى: أَنَّهُ لَا يُطَلِّقُ لِأَمْرِ أُمِّهِ، فَإِنْ أَمَرَهُ الْأَبُ بِالطَّلَاقِ طَلَّقَ إذَا كَانَ عَدْلًا.
وَقَوْلُ أَحْمَدَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لَا يُعْجِبُنِي كَذَا، هَلْ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ أَوْ الْكَرَاهَةَ؟ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَصْحَابِهِ.
وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ تَأْمُرُهُ أُمُّهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ، قَالَ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَبَرَّهَا، وَلَيْسَ تَطْلِيقُ امْرَأَتِهِ مِنْ بِرِّهَا. انتهى.
وعليه؛ فما دامت زوجتك صالحة؛ فلا تطلقها، لكن عليك أن تجتهد في برّ أمّك والإحسان إليها واسترضائها، ووسّط بعض العقلاء من الأقارب أو غيرهم من الصالحين ليثنوها عن سؤالك تطليق زوجتك.
ومتى استعنت بالله -عز وجلّ- وأخلصت النية لوجهه، واستعملت الرفق والمداراة، فسوف يسهل عليك -بإذن الله- الجمع بين برّ أمّك، وإمساك زوجتك.
والله أعلم.