الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله -تعالى- أن يوفقك، وأن يزيدك حرصا على الخير، وسواء كانت الورقة المشار إليها خاصة بالموظف المذكور، أو من أوراق الكلية فلا حرج في ذلك، فالأصل أن الشخص الذي قام بتصوير تلك الورقة لن يفعل إلا ما هو مأذون له فيه تصريحا أو عرفا، وهو مؤتمن على ما في الكلية. وقد نص الفقهاء على أن المؤتمن بمقتضى الوكالة أو الحراسة، له أن يتصرف في مال من ائتمنه بقدر ما جرت العادة به من الشيء اليسير الذي لا يتشاح في مثله، واستدلوا لذلك بقوله تعالى: أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ {النور:61}، كما قرر ذلك ابن رشد في البيان والتحصيل.
إضافة إلى أن تصوير الورقة الواحدة يعتبر شيئا يسيرا يتسامح فيه غالبا.
قال ابن عبد البر في الاستذكار: ... فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ أَخِيهِ الشَّيْءَ التَّافِهَ الَّذِي يَسُرُّهُ بِذَلِكَ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ ثَمَرًا مُعَلَّقًا غَيْرَ الْمُدَّخَرَاتِ. وَمِنَ الْمُدَّخَرَاتِ مَا لَا يُتَشَاحُّ فِي مِثْلِهِ، وَيَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهُ تَطِيبُ بِهِ نَفْسُهُ. انتهى.
وقال النووي في شرح صحيح مسلم، وهو يذكر فوائد حديث أبي هريرة الذي فيه أنه دخل حائطا للأنصار يبحث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَفِيهِ جَوَازُ دُخُولِ الْإِنْسَانِ ملك غيره بغير إذنه إذا علم أنه يرضى ذَلِكَ؛ لِمَوَدَّةٍ بَيْنَهُمَا أَوْ غَيْر ذَلِكَ. فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- دَخَلَ الْحَائِطَ وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ. وَهَذَا غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِدُخُولِ الْأَرْضِ، بَلْ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِأَدَوَاتِهِ وَأَكْلِ طَعَامِهِ، وَالْحَمْلِ مِنْ طَعَامِهِ إِلَى بَيْتِهِ، وَرُكُوبِ دَابَّتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفِ الَّذِي يُعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَى صَاحِبِهِ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْعُلَمَاءِ -رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ- وَصَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا. انتهى.
والشاهد من كلام النووي قوله: وَهَذَا غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِدُخُولِ الْأَرْضِ، بَلْ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِأَدَوَاتِهِ ... اهـ.
وعليه؛ فلا داعي للوسوسة في هذا الأمر.
والله أعلم.