الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن صلى المغرب في المسجد، ثم مكث فيه ينتظر صلاة العشاء، فهو في صلاة، وعلى عمل صالح يباهي الله -عز وجل- به الملائكة.
فعن عبدِ الله بن عَمروٍ قال: صلينا مع رسولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المغربَ، فرجَع مَنْ رَجَعَ، وعَقَّب مَن عَقَّب، فجاء رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُسرعا قد حَفَزَه النّفَسُ، قد حَسَرَ عن رُكبتَيه، قال: أبشِروا؛ هذا ربُّكم قدْ فتح بابا من أبوابِ السماءِ، يباهي بكم الملائكةَ، يقول: انظُروا إلى عبادي، قد قَضَوْا فريضةً، وهم ينتظرون أخرى. رواه ابن ماجه، وقال البوصيري في الزوائد: رجاله ثقات. اهـ. وصححه الألباني.
قال أبو منصور الأزهري في الصحاح: التعقيب في الصلاة: الجلوس بعد أن يقضيها لدعاءٍ أو مسألة. اهـ.
والأفضل أن يعمر هذا الوقت بالصلاة، فعن أنس -رضي الله عنه- في قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}: نزلت في انتظار الصلاةِ التي تُدعى العَتَمَة. رواه الترمذي، وأبو داود؛ إلا أنه قال: كانوا يتيقظون ما بين المغرب والعشاء، يصلون. وكان الحسن يقول: قيام الليل. وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: أتيتُ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصليت معه المغربَ، فصلى إلى العشاء. قال المنذري في الترغيب: رواه النسائي بإسناد جيد. اهـ.
وأورد في الباب آثارا أخرى وبوب عليها: باب الترغيب في الصلاة بين المغرب والعشاء. وانظر الفتوى: 27572.
قال القيرواني في الرسالة: والتنفل بين المغرب والعشاء مرغب فيه. اهـ.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: والآيات والأحاديث المذكورة في الباب تدل على مشروعية الاستكثار من الصلاة ما بين المغرب والعشاء، والأحاديث -وإن كان أكثرها ضعيفا- فهي منتهضة بمجموعها، لا سيما في فضائل الأعمال. قال العراقي: وممن كان يصلي ما بين المغرب والعشاء من الصحابة عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمرو، وسلمان الفارسي، وابن عمر، وأنس بن مالك في ناس من الأنصار. ومن التابعين الأسود بن يزيد، وأبو عثمان النهدي، وابن أبي مليكة، وسعيد بن جبير، ومحمد بن المنكدر، وأبو حاتم، وعبد الله بن سخبرة، وعلي بن الحسين، وأبو عبد الرحمن الحبلي، وشريح القاضي، وعبد الله بن مغفل، وغيرهم. ومن الأئمة سفيان الثوري .. اهـ.
وإن جعل هذه الصلاة في بيته كان ذلك أفضل، وانظر الفتويين: 167759، 102160.
وقد أورد ابن عبد البر في التمهيد بعض الآثار في ذلك ثم قال: فهذه الآثار كلها تبين لك أن صلاة الركعتين بعد المغرب في البيت أفضل، وأنه الأمر القديم، وعمل صدر السلف، وهو الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يصليها في بيته من حديث ابن عمر، ومن حديث غيره أنها صلاة البيوت. اهـ.
وقال ابن القيم في زاد المعاد: في سنَّة المغرب سنَّتان، إحداهما: أن لا يُفصَل بينها وبين المغرب بكلام ... والسنَّة الثانية: أن تُفعَل في البيت .. اهـ.
والله أعلم.