الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنقول أولا إن الأمر على ما ذكرت من أن نفقة الزوجة مقدمة على نفقة الوالدين وغيرهما من الأقارب عند التزاحم، وسبق بيان ذلك في الفتويين التاليتين: 65045، 224512. وهذه المسألة يذكرها الفقهاء في حال من ضاقت نفقته عن أن يطعم زوجته ووالديه مثلا، وهذا المعنى واضح فيما نقلناه عنهم في الفتويين اللتين أحلناك عليهما.
وأما حديث الثلاثة أصحاب الغار؛ فصاحب المال المذكور فيه لم يكن على هذه الحال، بل كان ميسورا -فيما يظهر- وعنده من المال ما يستطيع أن ينفق منه على والديه وأهله، وغاية ما فعله هنا هو أنه آثر أن يبر والديه، وأن يقدم كبرهما على صغر الأولاد، فلا يطعم قبلهما أحدا.
قال ملا علي القاري في مرقاة المفاتيح: والمعنى: أنه حينئذ سقيتهما أولا، ثم سقيتهم ثانيا، تقديما لإحسان الوالدين على المولودين لتعارض صغرهم بكبرهما، فإن الرجل الكبير يبقى كالطفل الصغير، ومن لم يصدق بذلك أبلاه الله بما هنالك. اهـ.
ثانيا: إذا اكتسب الابن مالا فهو ملك له. ولا يجوز للوالد أن يأخذ من مال ولده ما في أخذه ضرر عليه، أو ما تعلقت به حاجة الولد، وحديث: أنت ومالك لأبيك. ليس على إطلاقه، كما سبق وأن بينا في الفتوى: 46692.
فما تكتسب من مال فهو ملك لك بلا شك، ولكن اعمل على مداراة والدك، والتلطف به بحيث تكسب رضاه، وتتقي سخطه، وتخلص منه بالحسنى إن أراد أن يأخذ من مالك شيئا على وجه يضرُّ بك، ومهما أمكنك بره فافعل. واجتنب الدخول معه في جدال قد تتربت عليه من العواقب ما لا يحمد.
ثالثا: طاعة المرأة والدي زوجها في المعروف أمر حسن، ولكنها ليست واجبة عليها، إذ لا دليل شرعا يلزمها بذلك، ولكن تجب عليها طاعة زوجها في أمور النكاح وتوابعه، كما بيناه في الفتوى: 50343.
رابعا: هذا الأب الموصوف بكونه معجبا بنفسه يبقى أبًا، من حقه على ولده أن يبره، ويحسن إليه، ومن أعظم إحسانه إليه الدعاء له بأن يصلح الله حاله، وينبغي للولد أن يسلط عليه من الفضلاء والمقربين إليه من يرجو أن يقبل نصحه. ولمزيد الفائدة راجع الفتوى 419614.
والله أعلم.