الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
بخصوص قولك في السؤال: (لأن أمّي ما أخذت حقّها من أمّها وإخوتها): إن كان الحق الذي لم تأخذه أمّك من أمّها وإخوتها حق ميراثها من أبيها، فلا يحلّ لهم أن يمنعوها حقّها.
وإن منعوها، فلها أن ترفع أمرها إلى المحكمة؛ لينصفها القاضي منهم، ويمكِّنها من أخذ حقّها.
وبالنسبة لمقاطعتك لجدّتك وخالاتك؛ فنقول: إن المقاطعة لا تجوز لأي مسلم، حتى لو لم يكن من الرحم الواجب صلتها، فكيف بالجدة والخالات اللواتي هنّ بمنزلة الأم!؟، وانظري الفتوى: 25074.
وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه أقصى أمد الهجران، وأنه لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، وذكرنا في فتاوى سابقة أن أكثر أهل العلم على أن الجدّة حكمها كحكم الأمّ في البِرّ، وانظري ذلك في الفتوى: 22766.
فلا تجوز مقاطعتها، وتجب صلتها بالقدر الذي لا يحصل معه ضرر على الحفيد.
وكذلك الخالات، فهن بمنزلة الأمّ، وهنّ من الرحم التي أوجب الله صلتها، وحرّم قطعها، ولا تجوز لك قطيعتهنّ بالكلية، بل يجب عليك صلتهنّ بما هو ممكن مما تأمنين معه أذاهنّ، كالاتصال بهنّ، والسؤال عنهنّ، وبعث السلام لهنّ، ونحو ذلك، وراجعي الفتاوى: 66764، 31904 ، 159293.
وإننا نؤكّد الوصية أن لا تقاطعي جدّتك وخالاتك، وأدِّي حق الصلة التي أمر الله تعالى بها لهنّ.
وما صدر منهنّ من إساءة، فلا تلقي له بالاً، وكأنك لم تسمعيه؛ وبهذا يخف عليك ما تجدين منهنّ، ويقل حزنك جدًّا.
واستحضري دائمًا أنك تفعلين هذا طلبًا لرضا أرحم الراحمين، وصبرك على إساءتهنّ لك ولوالدتك هو من أعظم الأعمال التي تكسبين بها الأجر.
وتذكّري ذاك الرجل الذي جاء يشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم سوء معاملة أقاربه له، فقال: يا رسول الله، إن لي قرابة، أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم، ويسيئون إلي، وأحلم عنهم، ويجهلون علي. فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المَلّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. رواه مسلم.
قال النووي في شرح مسلم: المَلّ: بفتح الميم، الرماد الحار. انتهى.
والله أعلم.