الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه أما بعد:
فمسألة الجهر بالبسملة غير متفرعة على عدها آية أو لا، فالحنابلة مثلا عنهم روايتان في كون البسملة آية، والمذهب عدم الجهر بها بكل حال، حتى لو قلنا هي آية من الفاتحة.
قال المرداوي في الإنصاف: تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَلَا يَجْهَرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ بِالْبَسْمَلَةِ سَوَاءٌ قُلْنَا هِيَ مِن الْفَاتِحَةِ أَوْ لَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: الرِّوَايَةُ لَا تَخْتَلِفُ فِي تَرْكِ الْجَهْرِ، وَإِنْ قُلْنَا هِيَ مِن الْفَاتِحَةِ. وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَمْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ [وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ] وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمُوهُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. انتهى.
وإذا علمت هذا، فمرد الجهر والإسرار في الصلاة إلى ما يقرره الفقهاء، ويستدلون به، لا إلى ما يعتمده القراء؛ إذ المسألة فقهية لا تعلق لها بالأداء.
وخلاف الفقهاء في المسألة معروف؛ فمنهم من استحب الجهر مطلقا وهو الشافعي، ومنهم من استحب الإسرار وهم الجمهور، ومنهم من رأى ترك قراءتها أصلا كأهل المدينة، ومن العلماء من توسط فقال يجهر بها أحيانا، ومنهم من قال يجهر بها للمصلحة، كما يقوله شيخ الإسلام ابن تيمية.
والعامي يقلد من يثق به من الفقهاء أيا كانت القراءة التي يقرأ بها، وانظر لما يفعله العامي عند اختلاف الفتوى فتوانا: 169801، فبان بما ذكرناه لك عدم انتهاض ما أبديته بحثا في هذه المسألة، وأنه لا ارتباط أصلا بين مسألتي الجهر وكون البسملة آية من الفاتحة، وأن المرد في التقليد إنما هو إلى الأئمة المجتهدين لا إلى القراء إذا كانوا غير مجتهدين في أحكام الفقه، وإن نبغوا فيما نبغوا فيه، وحفظ الله بهم القرآن علينا، وله الحمد.
والله أعلم.