الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الفصل في قضايا المنازعات، محلُّهُ المحاكمُ الشرعية، أو من ينوب منابها؛ وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوى، والبينات، والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.
وأما المفتي، فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوّره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء؛ ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا، وما سنذكره هنا إنما هو على سبيل العموم، والإرشاد، والتوجيه.
فإن كان الأمر على ما ذكرت من أن هذا الطلاق كان كتابة؛ فكتابة الطلاق كناية من كناياته، لا يقع بها، إلا مع نية إيقاعه، كما سبق أن بينا في الفتوى: 8656.
ولكن قولك: (وربطت الطلاق بالشرط الذي ذكرته آنفًا، ولكنها أتعبتني كثيرّا، فقلت: أستجيب لطلبها، ثم أتزوج، ثم أرجعها لعصمتي، وستوافق من أجل الأولاد، إلا أنني كنت مخطئًا، فما إن انتهت العدة حتى...)، يدل على أنك نويت بذلك طلاقها؛ فيكون الطلاق قد وقع.
واشتراط عدم كسرها خاطر الأولاد، لا أثر له على الطلاق، وهذا الأمر مطلوب منها -اشترطته عليها أم لم تشترطه-.
وننبه إلى أهمية مراعاة الدِّين والخُلُق عند الإقدام على الزواج بالسؤال عمن يريد خطبتها؛ لمعرفة حالها في الدِّين والخُلُق، واستخارة الله سبحانه في الزواج منها؛ فذلك من أسباب التوفيق، ولمزيد الفائدة، انظر الفتوى: 24855.
وعدم مراعاة هذه الأسس في الاختيار، يترتب عليه في الغالب ما يوجب الندم.
ونوصي بتربية هؤلاء الأولاد على الإيمان، والخير، وتذكيرهم بالبرّ بأمّهم، والعمل على الحيلولة دون تأثرهم بهذا الفراق.
وننبه أيضًا إلى أنه لا يجوز لهؤلاء الأولاد مقاطعة أمّهم؛ ففي هذا نوع من العقوق، يأثم صاحبه، إن كان بالغًا مكلفًا.
ومن حق أمّهم الإقدام على الزواج؛ فليست مسيئة بذلك.
وعلى فرض كونها مسيئة؛ فذلك لا يسقط عن أولادها وجوب برّها وصلتها، كما هو مبين في الفتوى: 299887.
والله أعلم.