الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام هذا السارق هو الذي تعمد القفز، وألقى بنفسه ليهرب منهم، فليس عليهم ضمانه (دفع الدية)، لأنه هو الذي باشر إهلاك نفسه. وهذا حتى في غير السارق، فما بالك بالسارق؟!
قال الإمام الشافعي في كتاب الأم: لو أن رجلا عدا على رجل بسيف ولم ينله به، وجعل يطلبه، والمطلوب يهرب منه، فوقع من ظهر بيت يراه، فمات. لم يبن لي أن يضمن هذا ديته؛ لأنه ألقى نفسه، وكذلك لو ألقى نفسه في ماء فغرق، أو نار فاحترق، أو بئر فمات. اهـ.
ونقل ذلك الماوردي في «الحاوي الكبير» وقال: صورتها في رجل شهر سيفا وطلب به إنسانا، فهرب منه المطلوب حتى ألقى نفسه من سطح أو جبل أو في بحر أو نار حتى هلك. فتنقسم حال الهارب المطلوب ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون بالغا عاقلا بصيرا، فلا ضمان على طالبه من قود ولا دية، لأمرين:
أحدهما: أن الطلب سبب، والإلقاء مباشرة، وإذا اجتمعا سقط حكم السبب بالمباشرة.
والثاني: أنه وإن ألجأه بالطلب إلى الهرب، فلم يلجئه إلى الوقوع؛ لأنه لو أدركه جاز أن يجيء عليه، وجاز أن يكف عنه، فصار ملقي نفسه هو قاتلها دون طالبه؛ لأنه قد عجل إتلاف نفسه بدلا مما يجوز أن لا يتلف به، فصار كالمجروح إذا ذبح نفسه... اهـ.
والله أعلم.