الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا ريب في عظم حقّ الوالدين، ووجوب برّهما، وطاعتهما في المعروف، وتحريم عقوقهما، وقد ذكر بعض أهل العلم أنّ حد العقوق المحرم هو الذي يحصل به أذى غير هين للوالدين.
قال الهيتمي -رحمه الله- في الزواجر عن اقتراف الكبائر: كَمَا يُعْلَمُ مِنْ ضَابِطِ الْعُقُوقِ الَّذِي هُوَ كَبِيرَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا إيذَاءٌ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ أَيْ عُرْفًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمُتَأَذِّي. انتهى.
فالواجب عليك طاعة والديك فيما يأمرانك به من المعروف، ولو شقّ عليك ذلك، ما لم يكن عليك فيه ضرر، فلا تجب طاعتهما حينئذ.
قال ابن تيمية -رحمه الله-: وَيَلْزَمُ الْإِنْسَانَ طَاعَةُ وَالِدِيهِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ، وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ أَحْمَدَ، وَهَذَا فِيمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَضُرَّهُ وَجَبَ، وَإِلَّا فَلَا. انتهى من الفتاوى الكبرى.
واجتهدي في برّ والديك، والإحسان إليهما قدر طاقتك، وسددي وقاربي، وإذا حصل منك تقصير؛ فاستغفري، وتوبي إلى الله، وأبشري بعفو الله تعالى، ما دمت حريصة على بر والديك، قال تعالى: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا [الإسراء: 25].
قال الطبري -رحمه الله- في تفسيره: وقوله (إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ) يقول: إن أنتم أصلحتم نياتكم فيهم، وأطعتم الله فيما أمركم به من البرّ بهم، والقيام بحقوقهم عليكم، بعد هفوة كانت منكم، أو زلة في واجب لهم عليكم مع القيام بما ألزمكم في غير ذلك من فرائضه، فإنه كان للأوّابين بعد الزَّلة، والتائبين بعد الهَفْوة غفورا لهم. انتهى.
واستعيني بالله تعالى، وتوكلي عليه، وأكثري من ذكره، ودعائه، فإنّه قريب مجيب.
وللفائدة ننصحك بالتواصل مع قسم الاستشارات بموقعنا.
والله أعلم.