الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن حيث الواقع يوجد في عدِّ التسبيح: مسبَّح به، ومسبَّح عليه. فإذا عُقد التسبيح بالأنامل كانا جميعا من بدن المسبِّح، وإن عدَّ بالمسبحة ونحوها كان المسبَّح به من بدنه، والمسبَّح عليه من غيره.
وبذلك يكون العقد بالأنامل ألصق بالبدن من العد بالمسبحة ونحوها، وبالتالي يكون المستنطق في الأولى أكثر، وأوقع من الثانية. قال المظهري في شرح المصابيح: "فإنهن مسؤولات"؛ أي: فإن الأصابع بل جميع الأعضاء المكتسبة يُسأل عنها يوم القيامة بأي شيء استُعملت. وهذا تحريض على استعمال الرجل أعضاءه في الخيرات، وحفظِها عن السيئات.
قوله: "مستنطقات" أي: يخلق الله في الأعضاء النطق حتى تشهد بما عملت. اهـ.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن النص جاء في العقد بالأنامل، فبقي ما عداه محتملا لا قطعيا.
ولذلك قال الشوكاني في «نيل الأوطار»: علل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في حديث الباب بأن الأنامل مسؤولات مستنطقات، يعني أنهن يشهدن بذلك، فكان عقدهن بالتسبيح من هذه الحيثية أولى من السبحة والحصى. اهـ.
ولو كان الاستنطاق والشهادة تحصل بالمسبحة، لما كان هناك أولية من هذه الحيثية.
ولذلك أيضا قال الشيخ ابن عثيمين في «فتاوى نور على الدرب»: الأفضل من المسبحة أن يعقد الإنسان التسبيح بأنامله، أي: بأصابعه؛ لأنهنّ مستنطقات، كما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.
والله أعلم.