الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمجرد خلط الأموال والإنفاق منها على العائلة كلها، لا يلزم منه أن تصبح مشاعة يتشارك فيها الجميع بالسوية، بل يبقى كل مال على ملك صاحبه، يأخذه متى شاء بحسابه، بعد إخراج ما يخص النفقة منه.
سواء تقاسموا هذه النفقة بينهم بالسوية، كما في النهد بين الرفقاء -وهو: أن يخرج القوم نفقاتهم على قدر عدد الرفقة، يقال: تناهدوا، وناهد بعضهم بعضًا، وراجع في ذلك الفتوى: 261412-، أم اصطلحوا على تحمّل هذه النفقة بينهم بنسب متفاوتة، بحسب الدخل، أو عدد أفراد الأسرة، أو غير ذلك، ولكن في النهاية يكون ما بقي من المال بعد النفقة على ملك صاحبه، هو صاحب الحق فيه، وقد سئل العلامة عليش المالكي كما في «فتح العلي المالك»: ما قولكم في أربعة إخوة اكتسبوا مالًا في حياة أبيهم، وكل على حدته، ثم بعد مدة أراد أبوهم جمعهم، فخلطوا أموالهم، وفيهم واحد عاجز لا يكتسب، وكتبوا وثيقة بأن المال بينهم على السوية، وأن من أراد العزلة، لا شيء له، فهل إذا أراد أحدهما العزلة لا شيء له عملًا بالشرط، أو له ماله ويلغى الشرط؟
فأجاب -رحمه الله-: إذا أراد أحدهم العزلة، فله ماله، وحصته من الربح، إن كان ثَمَّ، إن كانت الأموال التي خلطوها مستوية، فذاك، وإلا تحاسبوا، فمن له زيادة عمل، رجع بأجرتها، ومن أخذ أقل من حصته من الربح، رجع بتمامها.
والشرط المذكور باطل، مفسد للشركة، وموجب لفسخها، لو اطلع عليها قبل العمل، ولا عبرة بما كتب في الوثيقة من التسوية في المال، إن لم تكن الأموال مستوية في الواقع.
قال الخرشي في شرح قول المختصر: "وتفسد بشرط التفاوت، ولكل أجر عمله": يعني أن الشركة تفسد، إذا وقعت بشرط التفاوت في الربح، كما لو أخرج أحدهما عشرين مثلًا والآخر عشرة، وشرطا التساوي في الربح والعمل، فإن وقع ذلك، وعثر عليه قبل العمل، فإن عقد الشركة يفسخ، وبعد العمل يقسم الربح على قدر المالين، فيرجع صاحب العشرين بفاضل الربح، وهو سدسه، وينزعه من صاحب العشرة، إن كان قبضه؛ ليكمل له ثلثاه، ويرجع صاحب العشرة بفاضل عمله، فيأخذ سدس أجرة المجموع.
ثم قال: وكذلك تفسد الشركة إذا استوى المالان، وشرط التفاوت في الربح. وقال في شرح قوله: "وله التبرع بعد العقد" ومفهوم بعد العقد: أنه ليس له ذلك قبل العقد؛ لأن ذلك كأنه من الربح، فيكون قد أخذ أكثر من حقه. انتهى.
قال الشيخ أحمد النفراوي: والتبرع الواقع في العقد بمنزلة قبله. اهـ.
والله أعلم.