الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فحتى النصارى الذين يعبدون المسيح -عليه السلام- لا يفضّلونه على الله!
وغاية شركهم وكفرهم أنه جعلوه فرعًا، أو ابنًا لله تعالى وتقدس، فكيف يقول هذا الشخص: إن (المسيح) منصوبة على المدح أو الاختصاص، ولم يسبقه شيء إلا الله تعالى!
ثم هل يقر هذا النصراني أن النصارى قد اتخذوا رهبانهم أربابًا؟!
وعلى أية حال؛ فليس هناك خلاف بين أهل الإسلام -فضلًا عن أهل العلم- في عطف المسيح على الأحبار، والرهبان.
وأكثر المفسرين لا ينصون على ذلك في تفاسيرهم؛ لوضوحه، واستبانته! ومع ذلك فقد نص عليه بعضهم، كابن عطية في المحرر الوجيز، وأبي حيان الأندلسي في البحر المحيط، والنسفي في مدارك التنزيل، وأبي السعود في إرشاد العقل السليم.
ويبقى أن نشير إلى سبب الفصل بين هذه المعطوفات، أو سبب إفراد المسيح -عليه السلام- عن الأحبار، والرهبان، وقد ذكر ذلك النيسابوري في تفسيره: (غرائب القرآن ورغائب الفرقان) فقال: لعل السبب في إفراد المسيح بالذكر، أن قولهم فيه أشنع من قولهم في الأحبار، والرهبان، أو لأن القول بإلهية المسيح مخصوص بأحد الفريقين -يعني اليهود، والنصارى- فلو قيل: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم والمسيح ابن مريم أربابًا؛ لأوهم اشتراك الفريقين في اتخاذ المسيح ربًّا. اهـ.
وقال أبو السعود في تفسيره: (إرشاد العقل السليم): {والمسيح ابن مَرْيَمَ} عطفٌ على رهبانهم، أي: اتخذه النصارى ربًّا معبودًا بعدما قالوا: إنه ابنُه، تعالى عن ذلكَ عُلوًّا كبيرًا ...
وتأخيرُه في الذكر مع أن اتخاذهم له ربًّا معبودًا أقوى من مجرد الإطاعةِ في أمر التحليل والتحريمِ، كما هو المرادُ باتخاذهم الأحبارَ والرهبانَ أربابًا؛ لأنه مختصٌّ بالنصارى.
ونسبته صلى الله عليه وسلم إلى أمّه من حيث دلالتها على مربوبيته النافية للربوبية؛ للإيذان بكمال ركاكةِ رأيِهم، والقضاءِ عليهم بنهاية الجهل، والحماقة. اهـ.
والله أعلم.