الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الصلاة هي عقد الصلة بين العبد وربه، بما فيها من لذة المناجاة للخالق وإظهار العبودية له، وتفويض الأمر إليه، والتماس الأمن والسكينة والنجاة في رحابه، وهي طريق الفوز والفلاح وتكفير السيئات، قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2].
ومن الحكم في توقيتها: أنها تدرب المرء على حب النظام، والتزام التنظيم في الأعمال وشؤون الحياة واحترام الوقت وتقديره، وبها يتعود على حصر الذهن في المفيد النافع، وكمال الانقياد إلى الله، وغير ذلك، وأكثر أهل العلم على أن تحديد الصلوات في الأوقات المعينة لها أمر تعبدي -أي أمر أمرنا الله به ولم يظهر لنا علته- ومنهم من علله.
قال البيجوري في حاشيته على شرح ابن قاسم الغزي: وأكثر العلماء على أن اختصاص الصلوات الخمس بأوقاتها تعبدي، وأبدى بعضهم له حكمة وهي تذكر الإنسان بها نشأته فكماله في البطن وتهيؤه للخروج منها كطلوع الفجر الذي هو مقدمة لطلوع الشمس، فوجب الصبح حينئذ تذكيراً لذلك، وولادته كطلوع الشمس، ومنشؤه كارتفاعها، وشبابه كوقوفها عند الاستواء، وكهولته كميلها، فوجبت الظهر حينئذ تذكيراً لذلك، وشيخوخته كقربها للغروب، فوجبت العصر حينئذ تذكيراً لذلك، وموته كغروبها، فوجبت المغرب تذكيراً لذلك، وفناء جسمه كانمحاق أثر الشمس بمغيب الشفق الأحمر، فوجبت العشاء حينئذ تذكيراً لذلك.، ولا شك أن ما أسلفناه أولاً أقرب إلى أن يكون حكمة مما ذكره البيجوري هنا.
والله أعلم.