الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما دام أبوك ميسور الحال غير محتاج؛ فلا يجب عليك أن تعطيه ما يريد من مالك، ولا حقّ له في شيء من مالك عند جماهير العلماء، قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء، ويتملّكه مع حاجة الأب إلى ما يأخذه، ومع عدمها -صغيرًا كان الولد أو كبيرًا- بشرطين:
أحدهما: أن لا يجحف بالابن، ولا يضرّ به، ولا يأخذ شيئًا تعلقت به حاجته.
الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده، فيعطيه الآخر ...
وقال أبو حنيفة، ومالك والشافعي : ليس له أن يأخذ من مال ولده، إلا بقدر حاجته. اهـ.
وكذا لا يجب عليك أن تعطيه مالك ليتاجر لك به؛ ما دمت تخشى على مالك.
لكن إذا لم يكن عليك ضرر في إعطائه بعض مالك على سبيل الهبة، والتبرّع، أو تعطيه بعض مالك؛ ليضارب لك به؛ فالأولى أن تعطيه؛ استرضاءً له، وتخلّصًا من غضبه، فقد جاء في الفروق للقرافي: قِيلَ لِمَالِكٍ ... يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، لِي وَالِدَةٌ وَأُخْتٌ وَزَوْجَةٌ، فَكُلَّمَا رَأَتْ لِي شَيْئًا، قَالَتْ: أَعْطِ هَذَا لِأُخْتِك، فَإِنْ مَنَعْتُهَا ذَلِكَ؛ سَبَّتْنِي، وَدَعَتْ عَلَيَّ. قَالَ لَهُ مَالِكٌ: مَا أَرَى أَنْ تُغَايِظَهَا، وَتَخلّص مِنْهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ، أَيْ: وَتخلّص مِنْ سَخَطِهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ. اهـ.
وننبهك إلى أنّ المضاربة لها شروط في الشرع، منها: أن تكون على نسبة معلومة من الربح -كالنصف، أو الثلث، أو الربع، أو غيره-، وألا يشترط ضمان رأس المال، وأنّ الخسارة على صاحب المال وحده، وانظر ضوابط المضاربة الصحيحة في الفتوى: 206356.
وأمّا إن كان عليك ضرر في إعطائه مالك على سبيل الهبة، أو المضاربة؛ فاعتذر له برفق، وأدب.
واستعمل الحكمة، والمداراة؛ حتى تتخلّص من غضبه.
واحرص على بِرّه، والإحسان إليه، ما استطعت.
وأخلِصْ النية لله تعالى، واحتسب الأجر عند الله تعالى.
وأبشِرْ بعظيم الأجر، وجزيل الثواب؛ فإنّ بِرّ الوالدين من أفضل الأعمال التي يحبّها الله، والصبر على ذلك من أعظم أسباب رضوان الله، ونيل معيّته، وتوفيقه.
والله أعلم.