الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت بنصحك لصديقتك هذه، وتحذيرها من هذا الفعل المحرم، فجزاك الله خيرًا على هذا النصح، وجعله في ميزان حسناتك، وكما جاء في الحديث الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة. رواه مسلم عن تميم الداري -رضي الله عنه-.
وأنت محسنة أيضًا بدعائك لها بالتوبة، والهداية -نسأل الله تعالى أن يردّها إلى صوابها، ويرزقها التوبة-.
والرغبة في الزواج لا تبرر سلوك مثل هذا المسلك من صديقتك، وتساهلها في التعامل مع رجل أجنبي.
ولا عبرة بما ذكر من موافقة الأمّ على هذه التصرفات من ابنتها.
وتأثم الأمّ إن فعلت ذلك؛ لكونها معينة على المعصية، وقد قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}، وكان الواجب على الأمّ أن تزجرها عن ذلك، وتمنعها منه، لا أن تعينها عليه.
وإن تابت صديقتك هذه، واستقامت على الطاعة، وقطعت علاقتها بهذا الشاب؛ فذاك.
وإن استمرّت على ما هي عليه، فخير لك اجتنابها تمامًا، وعدم البحث عن العودة لاستمرار الصداقة معها؛ فقد جاءت السنة بصحبة أهل الخير، والحذر من صحبة أهل الشر، روى أبو داود، والترمذي عن أبي سعيد -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي.
وهجر العاصي مشروع، وتراعى فيه المصلحة -سواء مصلحة الهاجر، أم مصلحة المهجور-، قال الحافظ ابن عبد البر في (التمهيد): أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دِينه، أو يولد به على نفسه مضرّة في دِينه، أو دنياه، فإن كان ذلك؛ فقد رخّص له في مجانبته وبُعده، ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية. اهـ.
ونشكرك على ما بذلت من نصح لقريبك هذا.
وإن صحّ أنه ذكر ما نسبت إليه من جواز مثل تلك العلاقة المحرمة في هذا الزمان؛ فقد أخطأ خطأ بيِّنًا.
والتعلّل بمغفرة الله ورحمته تعلّل في غير محلّه؛ فهذا الرب سبحانه كما أنه غفور رحيم، فإنه شديد العقاب لمن عصاه، وخالف أوامره، وكل ذلك تبعًا لمشيئته، يعذب من يشاء، ويرحم من يشاء، قال تعالى: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ {الحجر:49-50}.
وإذا لم تنتهِ هذه الفتاة، أو هذا الشاب عن هذه العلاقة؛ فينبغي إخبار من يمكنه زجره عن ذلك، كوالد هذه الفتاة، أو أمِّ هذا الشاب، فاستمرارهما في هذه العلاقة قد يترتب عليه شر، وفساد، وهتك للعرض، قال الصنعاني في شرح حديث: وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ: هُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُعْرَفُ بِالْفَسَادِ، وَالتَّمَادِي فِي الطُّغْيَانِ، وَأَمَّا مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ السَّتْرُ عَلَيْهِ، بَلْ يُرْفَعُ أَمْرُهُ إلَى مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ، إذَا لَمْ يَخَفْ مِنْ ذَلِكَ مَفْسَدَةً؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ السَّتْرَ عَلَيْهِ يُغْرِيهِ عَلَى الْفَسَادِ، وَيُجَرِّئُهُ عَلَى أَذِيَّةِ الْعِبَادِ، وَيُجَرِّئُ غَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ الشَّرِّ وَالْعِنَادِ، وَهَذَا بَعْدَ انْقِضَاءِ فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ... اهـــ.
والله أعلم.