الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كان الحال كما ذكرتِ؛ فقد أحسنت بصبرك على والديك، وحرصك على برّهما، واجتناب الإساءة إليهما؛ فهذا هو الصواب الذي دلّ عليه الشرع.
ولا تقارني نفسك بإخوتك؛ فالمهم أن تقومي أنت بما يجب عليك.
ويزداد أجرك، ويعظم بحسب صبرك على ما تلقين من أبويك من أذى، وما يجزيان به حسن صنيعك لهما من سوء معاملة، وغلظة، وفظاظة -كما وصفتِ-، وراجعي الفتوى: 101410.
وأمّا كراهيتك لهما بسبب ظلمهما لك؛ فلا إثم عليك فيه -إن شاء الله- ما دمت قائمة بحقهما بارَّة بهما، وانظري الفتوى: 424999.
وإذا كان دعاؤهما عليك بغير حقّ؛ فلا يضرّك هذا الدعاء، قال المظهري -رحمه الله- في المفاتيح في شرح المصابيح: وإنما يكون قبول هذا الدعاء إذا صدر عن الولد عقوق؛ أي: مخالفة أمر الوالد فيما يجب على الولد طاعته، فإذا خالفه الولد، يكون الوالد مظلومًا؛ فيستجاب دعاؤه. انتهى. وقال المناوي -رحمه الله- في فيض القدير: ثم الظاهر أن ما ذكر في الولد مخصوص بما إذا كان الولد كافرًا، أو عاقًّا، غاليًا في العقوق، لا يرجى برّه. انتهى.
وأمّا دعاؤهما على أولادك بغير حقّ؛ فلا يستجاب -إن شاء الله-، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يزال يستجاب للعبد، ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل. قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أرَ يستجيب لي؛ فيستحسر عند ذلك، ويدع الدعاء.
قال الصنعاني في التحبير لإيضاح معاني التيسير: والدعاء بقطيعة الرحم أن يدعو على رحمه بإصابته بما يكرهه، فإن هذا الدعاء نفسه قطيعة رحم، وفيه إساءة إليها، وهو مأمور بالإحسان إليها. انتهى.
فاصبري، واحتسبي الأجر عند الله تعالى، ودومي على ما أنتِ عليه من برّ أبويك، والتلطّف معهما، وخفض الجناح لهما، ولا سيما مع ما ذكرت من ضعفهما، وكبرهما، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:23-24}.
والله أعلم.