الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرت في السؤال أنك شككت في السجدة الثانية، وتبين لك عدم النقص؛ فأتممت صلاتك.
وإذا كان كذلك، وقد تيقّنت عدم النقص بعد أن شككت؛ فصلاتك صحيحة.
وأما سجودك للسهو في هذه الصورة، فقد قال به بعض المالكية، جاء في تحبير المختصر لتاج الدين بهرام: قال في المدونة: ومن شكّ، فتفكّر قليلًا، ثم تيقّن أنه لَمْ يسهُ؛ فلا سجود عليه. قاله أبو الحسن الصغير، وحكي عن أشهب أن عليه السجود. انتهى.
وأما موضع سجود السهو: فخلاصة مذهب مالك -رحمه الله تعالى- فيه أنه إن كان عن نقص سنة مؤكدة فأكثر -كترك السورة، أو جلوس التشهد الأول-؛ فهو قبل السلام.
وإن كان لزيادة، كان بعد السلام.
وإذا اجتمع النقص والزيادة، كان قبل السلام، قال الرجراجي في التحصيل شرح المدونة: وينبني الخلاف على الخلاف في أصل سجود السهو، هل السجود كله قبل السلام -وهو مذهب الشافعي-، أو السجود كله بعد السلام -وهو مذهب أبي حنيفة-، أو التفصيل بين الزيادة؛ فيسجد فيه بعد السلام، وفي النقصان؛ فيسجد فيه قبل السلام -وهو مشهور مذهب مالك -رحمه الله-. انتهى.
والأمر فيه سعة؛ ولذا قال خليل في مختصره: وصحّ إن قدّم أو أخّر. اهـ
ومسألة كونك عملت على أنك سجدت سجدتين، هل يدخل في الزيادة؟
جوابها: أن ذلك لا يدخل في حدّ الزيادة، إن كنت تيقّنت عدم الزيادة، ولكن سجود السهو هنا عند من يقول به؛ لترغيم الشيطان؛ لأنه هو سبب الشك والوسوسة في الصلاة، قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: إذا شكّ وتحرّى؛ فإنه أتم صلاته، وإنما السجدتان لترغيم الشيطان؛ فيكون بعد السلام. وذكر ذلك الدردير في الشرح الكبير أيضًا.
وأما لو كنت لم تتيقّني النقص، بل عملت بالراجح لديك مع بقاء التردد؛ فلا يصحّ ذلك في مذهب مالك، وهو الشائع ببلدك، بل الواجب حينئذ البناء على الأقل، وهو كونك سجدت سجدة واحدة، فتأتين بسجدة أخرى، ثم تسجدين للسهو بعد السلام؛ لاحتمال الزيادة.
وهذا فيما إذا كان المرء طبيعيًّا، لم يستنكحه الشك، ولم يلازمه، جاء في ضوء الشموع حول عمل من استنكحه الشك عند تردده في الزيادة والنقصان: فيبنى على الأكثر وجوبًا؛ لئلا يعنته الشك، ولو بنى على الأقل؛ صح. انتهى.
والله أعلم.