الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيحسن التنبيه هنا على عدة أمور:
الأول: أن الاستخارة ليست بواجبة، ولكنها مستحبة، قال الحافظ ابن حجر «فتح الباري»: "وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ أَنَّ الْأَمْرَ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيِ الِاسْتِخَارَةِ لَيْسَ عَلَى الْوُجُوبِ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الِاسْتِخَارَةِ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهَا وَلِتَشْبِيهِهَا بِتَعْلِيمِ السُّورَةِ مِنَ الْقُرْآنِ كَمَا اسْتَدَلَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي وُجُوبِ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ فِي قَوْلِهِ فَلْيَقُلْ وَلِتَشْبِيهِهِ بِتَعْلِيمِ السُّورَةِ مِنَ الْقُرْآنِ ..." انتهى محل الشاهد منه
وقال الحافظ أيضا: "وَاخْتلف فِيمَا ذَا يفعل المستخير بعد الاستخارة فَقَالَ بن عَبْدِ السَّلَامِ يَفْعَلُ مَا اتَّفَقَ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بقوله فِي بعض طرق حَدِيث بن مَسْعُود فِي آخِرِهِ ثُمَّ يَعْزِمُ وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَمْرًا فَلْيَقُلْ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ يَفْعَلُ بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ مَا يَنْشَرِحُ بِهِ صَدْرُهُ ويستدل لَهُ بِحَدِيث أنس عِنْد بن السُّنِّيِّ إِذَا هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَاسْتَخِرْ رَبَّكَ سَبْعًا ثُمَّ انْظُرْ إِلَى الَّذِي يَسْبِقُ فِي قَلْبِكَ فَإِنَّ الْخَيْرَ فِيهِ وَهَذَا لَوْ ثَبَتَ لَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدَ لَكِنَّ سَنَدَهُ وَاهٍ جِدًّا وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ مَا يَنْشَرِحُ بِهِ صَدْرُهُ مِمَّا كَانَ لَهُ فِيهِ هَوًى قَوِيٌّ قَبْلَ الِاسْتِخَارَةِ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه" انتهى.
وعليه، فإن المستخير يجوز له أن يفعل ما لم يشرح له صدره، لأن ما فعله يمكن أن يكون مشتملا على الخير.
الثاني: أن تأجيل الزواج لا داعي له وغير مطلوب، إلا إذا ظهرت فيه مصلحة تتعلق بكما.
الثالث: الدعاء لحصول الزواج بينكما لا مانع منه، بل هو مطلوب شرعا إذا كان الرجل المذكور صاحب خلق ودين، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم باختيار الزوج على هذه الصفات، حيث قال صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. رواه الترمذي وابن ماجه..
الرابع: هو أن عبارة: إنكم استخرتم الله وطلبتم رأيه في هذا الطلب، عبارة غير سليمة، فإن الله تعالى لا يشابه المخلوقين، وإنما يسأل التوفيق لما فيه الخير والصلاح للإنسان في الدنيا والآخرة.
الخامس: اعلموا أن رضا الله تعالى في امتثال أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الزواج المذكور تُراعى فيه الأوصاف الشرعية من كون الزوج والزوجة متصفين بالدين والخلق، وسلم من المنكرات والمحرمات، فإنه من الطاعات التي يثاب عليها من فعلها.
وحاصل الأمر أنه لا مانع من الإقدام على الزواج المذكور ولو لم يكن الرجل منشرح الصدر له، لأن فعله بعد الاستخارة سيكون مشتملا على الخير، ولا دليل على التقييد بانشراح صدر الرجل المذكور للإقدام على الزواج، كما أن تأجيل الزواج تلك المدة الطويلة لا داعي له، هذا إضافة إلى أن الدعاء من أجل إتمام الزواج المذكور لا مانع منه، بل قد يكون مطلوبا.
والله أعلم.