الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كان حال خالتك على ما ذكرت، فهي محسنة من جهة برّها بوالديها، ومسيئة من جهة قطيعتها رحمها؛ بإساءتها لأختها -والتي هي أمّك- وإيذائها لكم، وقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {الأحزاب:58}، وروى الترمذي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فنادى بصوت رفيع، فقال: "يا معشر من قد أسلم بلسانه، ولم يُفضِ الإيمان إلى قلبه: لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم.... الحديث.
وقد أصبتم بسعيكم في سبيل إصلاحها.
ونوصي بكثرة الدعاء لها أن يصلح الله سبحانه حالها؛ فربنا قريب مجيب؛ فهو القائل: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}.
وسلِّطوا عليها من يبذل لها النصح بالحسنى، وليكن هذا النصح ممن له وجاهة عندها، ويرجى أن تسمع لقوله، فعلّ الله يهديها؛ فتتوب، وينصلح حالها.
وإن لم يصدر من أمّك أو منكم إيذاء لأمّها؛ فلا تكونون عاقّين لها
ومجرد الاتّهامات التي توجهها إليكم خالتك، وغضب أمّها بسبب ذلك؛ لا تجعلكم عاقين لها.
وحقيقة العقوق -كما قال ابن الصلاح-: العقوق المحرم: كلُّ فعل يتأذّى به الوالد، أو نحوه تأذيًا ليس بالهيِّن، مع كونه ليس من الأفعال الواجبة. اهـ.
وقال ابن حجر العسقلاني: والمراد به: صدور ما يتأذّى به الوالد من ولده، من قول، أو فعل، إلا في شرك، أو معصية، ما لم يتعنت الوالد. اهـ.
وينبغي أن تنصح هذه الجدّة بأن تتّقي الله، وتتثبت فيما قد ينقل إليها من أخبار؛ امتثالًا لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ {الحجرات:6}.
ودعوة المظلوم مستجابة، وقد لا تردّ أو لا تؤخّر بسبب برّها بأمّها
ونؤكد ما سبق أن ذكرنا لكم من الدعاء لها، لا الدعاء عليها.
وإن لم يصلح حالها، وتمادت في غيّها؛ فيمكن هجرها، إن رجوتم أن ينفعها الهجر.
وإن خشيتم أن يزيدها الهجر عنادًا؛ فينبغي تركه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: فإن كانت المصلحة في ذلك، أي: في هجر العاصي -راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته؛ كان مشروعًا.
وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته؛ لم يشرع الهجر.. بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألّف قومًا، ويهجر آخرين. اهـ.
ولا بأس بأن تدعو بأن يظهر الله عز وجل براءتكم مما تنسبه إليكم.
والله أعلم.