الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لك العافية من كل بلاء، وأن يذهب عنك الهمّ، والغم، ويكشف الكرب، ويجعل لك نورًا يكون هاديًا لك في مسيرك، وسببًا لتحصيل مصالح دنياك، وأخراك.
ومن أحسن ما ذكرت فيما سردت من قصتك كلمة: "أحب الله"، وكلمة: "تأملت عذاب القبر"؛ لتجلبي الخوف في قلبك.
وحب الله عز وجل هو أساس الرجاء فيه، والتعلّق به، والاتّباع لشرعه، قال الله سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {آل عمران:31}، وهذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادَّعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية؛ فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر؛ حتى يتبع الشرع المحمديّ، والدين النبويّ في جميع أقواله، وأحواله ... قال الحسن البصري، وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله؛ فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ }. اهـ.
فهذا ما ينبغي أن تكون عليه نتيجة حبّ العبد لربّه: استقامة، وطاعة لله رب العالمين؛ فاحرصي على تحصيل ذلك، وخاصة في المحافظة على الصلاة في وقتها؛ فهذا هو السبيل لكسب السعادة، والتوفيق.
والخوف من الله سبحانه باعث على شحذ الهمة في الطاعات، واجتناب المعاصي والمنكرات؛ فبهذا الخوف فاز من فاز بالجنة والنعيم المقيم، كما قال تعالى عن أهل الجنة: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ {الطور:25-27}.
فليكن هذا الخوف زاجرًا لك عن ترك الصلاة، والتفريط فيها، خاصة أن بعض أهل العلم قد ذهب إلى كفر من ترك الصلاة، ولو على سبيل التهاون، والكسل، لا النكران، والجحود؛ لحديث جابر -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة. رواه مسلم، فأطلق عليه وصف الكفر.
والجمهور يحملونه على الكفر الأصغر، الذي لا يخرج من ملة الإسلام، ولكن هذا لا يعني التقليل من شأن ترك الصلاة؛ فمجرد إطلاق لفظ الكفر عليه يدلّ على خطورته، والتحذير منه.
واعلمي أن الذنوب والمعاصي قد تكون سبب هذه الحال التي أنت عليها، فقد قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:30}، وقال سبحانه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه:124}.
وفي المقابل؛ فإن هناء العيش، وراحة البال في الإيمان، والطاعة، قال الله عز وجل: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النحل:97}.
فتوبي إلى ربك توبة نصوحًا، والجئي إلى ربك متضرّعة إليه، ومنكسرة بين يديه، وسليه أن يوفّقك للتوبة النصوح، وأن يرزقك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى.
واحرصي على البحث عن الصحبة الصالحة من أخواتك المؤمنات؛ ليكون لك منهنّ الذكرى إذا نسيت، والعون إذا ذكرت.
وإذا كان هنالك من افترى عليك كذبًا، وقال عنك ما لم تقولي، أو تفعلي؛ فهذا بهتان عظيم، حذّر منه رب العالمين، وتوعَّد عليه، فقال: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {الأحزاب:58}.
وإن اتقيتِ الله، وصبرتِ، فإنه -عز وجل- سيكون لك عضدًا، ونصيرًا، وحاميًا، وظهيرًا؛ فهو القائل: إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ {الحج:38}.
ولا تشغلي نفسك بأمر هؤلاء الناس كثيرًا، ولا تحمّلي نفسك بالتفكير فيهم ما لا تحتمله.
ولا ينبغي لك التعميم، ونفي الخير عنهم بالجملة، فمهما كان في المسلم شر، فلا يخلو من خير، ولا يخلو المجتمع من أن يكون فيه أخيار.
وإذا قدر أن متِّ؛ فأنت محتاجة لصلاة الجنازة؛ فهي نوع من الشفاعة، ينوّر الله عز وجل بها على الميت قبره.
وإذا كان النساء اللاتي أشرت إليهنّ قد وجد منهنّ إهانة وازدراء لك؛ فلا شك في أنهنّ مسيئات بذلك، ومن حقّك اجتناب مخالطتهنّ، ومعاملتهنّ بالمثل؛ فقد قال تعالى: لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا {النساء:148}.
ولكن لا شك في أن قيامك بما قمت به -وهن في ضيافة أمّك- فيه إيذاء لها، وموقع لها في الحرج، وسبب لسخطها؛ وهذا مما يوجب الوقوع في العقوق، قال الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: كَمَا يُعْلَمُ مِنْ ضَابِطِ الْعُقُوقِ الَّذِي هُوَ كَبِيرَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا إيذَاءٌ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ، أَيْ: عُرْفًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمُتَأَذِّي. اهـ.
وننبهك إلى خطورة أمر الانتحار، وأن المؤمن لا يفكّر فيه، ولا يقدم عليه بحال، فإضافة إلى ما في عاقبته من الشقاء الأعظم، والعذاب الأليم؛ فإنه لا يحلّ لصاحبه مشكلة؛ ولذلك لا يسعى فيه عاقل فضلًا عن المؤمن، فقد روى البخاري، ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده، يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن شرب سمًّا، فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدا، ومن تردّى من جبل، فقتل نفسه، فهو يتردى في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا.
ونختم بإرشادك إلى الكتابة لقسم الاستشارات بموقعنا، إذا أردت المزيد من التوجيهات.
والله أعلم.