الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فعبد الله بن أبي بن سلول هو رأس المنافقين، وإليه يجتمعون، وهو الذي قال: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ (المنافقون: من الآية8)، في غزوة بني المصطلق، وفي قوله هذا نزلت سورة المنافقين.
وقد كان مهيأ لزعامة الأوس والخزرج قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وسيداً معظماً عندهم لا يختلف عليه في شرفه من قومه اثنان، لم يجتمع الأوس والخزرج قبله ولا بعده على رجل من أحد الفريقين غيره، حتى جاء الإسلام وكان قومه قد نظموا له الخرز قبله ليتوجوه ثم يملكوه عليهم، فجاءهم الله عز وجل برسوله صلى الله عليه وسلم وهم على ذلك، فلما انصرف قومه عنه إلى الإسلام ضغن، ورأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استلبه ملكاً، فلما رأى قومه قد أبوا إلا الإسلام دخل فيه كارها مصراً على نفاق وضغن.
وفي الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قيل: يا نبي الله لو أتيت عبد الله بن أبي، فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم فركب حماراً وانطلق المسلمون يمشون وهي أرض سبخة، فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إليك عني، فوالله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك، فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتمه، وغضب لكل واحد منهما أصحابه، فكان بينهم ضرب بالجريد، وفي لفظ بالحديد والأيدي والنعال، فبلغنا أنه أنزل فيهم: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا(الحجرات: من الآية9)، واستمر على نفاقه وحقده على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ينتهز أن تتاح له الفرص التي يستطيع من خلالها تشويه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومن ذلك: إشاعة تهمة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالزنا، وفيه نزلت الآية الكريمة: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (النور:11).
وكانت نهايته على النفاق، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أعطني قميصك أكفنه فيه، وصل عليه، واستغفر له، فأعطاه قميصه، وقال: إذا فرغت منه فآذنّا، فلما فرغ منه آذنه به فجاء ليصلي عليه، فجذبه عمر فقال: أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين فقال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ(التوبة: من الآية80)، فنزلت: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ (التوبة: من الآية84)، فترك الصلاة عليهم.
والله أعلم.