الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز تأويل تلك الصفة، بل القول فيها كالقول في صفة الرضا والغضب، والمحبة والسخط، ونحو ذلك من الصفات الفعلية المضافة إلى الله تعالى: يجب الإيمان بها وإمرارها كما جاءت، مع القطع بنفي مماثلة الله تعالى للمخلوقين.
قال ابن القيم في الصواعق المرسلة: الله سبحانه الحي القيوم، وقد وصف نفسه بالحياء، ووصفه رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو الحيي الكريم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ...
والحياء عند هؤلاء من الكيفيات النفسانية، فلا يجوز عندهم وصف القديم بها. اهـ.
فأنكر -رحمه الله- على من تأول صفة الحياء باعتبارها من صفات المخلوقين! وقد نص على إثبات هذه الصفة طائفة من أهل العلم، منهم ابن سريج شيخ الشافعية في عصره.
فقال في معتقده -كما نقله عنه ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية-: قد صح وتقرر واتضح عند جميع أهل الديانة والسنة والجماعة من السلف الماضين، والصحابة والتابعين من الأئمة المهتدين الراشدين المشهورين إلى زماننا هذا: أن جميع الآي الواردة عن الله تعالى في ذاته وصفاته، والأخبار الصادقة الصادرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الله وفي صفاته، التي صححها أهل النقل وقبلها النقاد الأثبات. يجب على المرء المسلم المؤمن الموقن الإيمان بكل واحد منه كما ورد، وتسليم أمره إلى الله سبحانه وتعالى كما أمر، وذلك مثل قوله تعالى: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة} ... ونظائرها مما نطق به القرآن، كالفوقية والنفس واليدين والسمع والبصر والكلام والعين والنظر، والإرادة والرضى والغضب والمحبة والكراهة والعناية والقرب والبعد والسخط والاستحياء ... وغير هذا مما صح عنه صلى الله عليه وسلم من الأخبار المتشابهة الواردة في صفات الله سبحانه ما بلغنا وما لم يبلغنا مما صح عنه، اعتقادنا فيه، وفي الآيات المتشابهة في القرآن أن نقبلها ولا نردها ولا نتأولها بتأويل المخالفين، ولا نحملها على تشبيه المشبهين، ولا نزيد عليها ولا ننقص منها ولا نفسرها، ولا نكفيها. اهـ.
وذكر نحو ذلك قوام السنة الأصبهاني في كتاب (الحجة في بيان المحجة). ثم قال: فعلى العبد أن يؤمن بجميع ذلك، ولا يؤوله تأويل المخالفين، ولا يمثله تمثيل الممثلين، ولا يزيد فيه، ولا ينقص عنه، ولا يفسر منه إلا ما فسره السلف، ويمره على ما أمروا، ويقف حيث وقفوا لا يقول كيف، ولم؟ يقبل ما قبلوه، ولا يتصرف فيه تصرف المعتزلة والجهمية.
هذا مذهب أهل السنة، وما وراء ذلك بدعة وفتنة. اهـ.
ونقل نحو ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى، عن شيخ الحرمين أبي الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي في كتابه الذي سماه "الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول، إلزاما لذوي البدع والفضول".
والله أعلم.