الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كان الحال ما ذكرت من كون أرحامك يتّهمونك بالسرقة من غير بينة، وينشرون ذلك بين الناس؛ فهذا منكر عظيم، وإثم مبين، قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {الأحزاب:58}، وروى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « أتدرون ما الغيبة؟»، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: « ذكرك أخاك بما يكره»، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول؛ فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه؛ فقد بهته».
ولا حرج عليك في هجرهم على الوجه الذي تدفع به الأذى عن نفسك، قال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجة: قالوا: وإذا خاف من مكالمة أحد ومواصلته ما يفسد عليه دِينه، أو يدخل عليه مضرة في دنياه؛ يجوز له مجانبته، والحذر منه؛ فرب هجر جميل، خير من مخالطة مؤذية... اهـ.
ويجب عليك صلة أرحامك بوجوه الصلة الأخرى، وهي كثيرة؛ فكل ما يعد صلة عرفًا، كان صلة، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: تكون صلة الرحم بالمال، وبالعون على الحاجة، وبدفع الضر، وبطلاقة الوجه، وبالدعاء.
والمعنى الجامع: إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر، بحسب الطاقة، وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة، فإن كانوا كفارًا أو فجارًا، فمقاطعتهم في الله هي صلتهم؛ بشرط بذل الجهد في وعظهم، ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المثلى. اهـ.
وننصح بتدخّل العقلاء للصلح، والإصلاح؛ ففي ذلك خير عظيم، قال تعالى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:114}، وروى أحمد عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة، والصيام، والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين. وفساد ذات البين هي الحالقة. ورواه الترمذي بزيادة: لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدِّين.
ونوصيك بالحرص على اجتناب كل ما قد يكون شبهة يوجّه إليك بسببها مثل هذا الاتّهام، فكلما اجتنبت ذلك، كان أصون لدِينك وعِرضك، ولم يصدق الناس ما يمكن أن تتّهم به؛ وشأن المؤمن الابتعاد عن مواطن الشبهات، كما سبق وأن أوضحنا في الفتوى: 55903.
والله أعلم.