الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقولك لزوجتك: "طالق طالق طالق"، تقع به طلقة واحدة، إلا إذا نويت به الثلاث، فتقع ثلاثًا، قال ابن قدامة في المغني: فإن قال: "أنت طالق طالق طالق"، وقال: أردت التوكيد؛ قُبِل منه؛ لأن الكلام تكرار للتأكيد... وإن قصد الايقاع، وتكرار اللفظان؛ طلقت ثلاثًا. وإن لم ينوِ شيئًا؛ لم يقع إلا واحدة؛ لأنه لم يأتِ بينهما بحرف يقتضي المغايرة؛ فلا يكنّ متغايرات. اهـ.
وأمّا تكرارك نفس العبارة بعد فاصل؛ فيحتمل قصدك إنشاء طلاق جديد، ويحتمل تأكيد ما سبق:
فإن قصدت إنشاء طلاق جديد؛ فالحكم فيه كسابقه.
وإن قصدت التأكيد؛ فالأصل أنّه لا يقبل منك ذلك قضاءً، لكن يقبل ذلك فيما بينك وبين الله، قال الشربيني الشافعي :... كَأَنْ قَالَ لِمَدْخُولٍ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، وَتَخَلَّلَ فَصْلٌ، فَثَلَاثٌ، سَوَاءٌ أَقَصَدَ التَّأْكِيدَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، لَكِنْ إذَا قَالَ: قَصَدْت التَّأْكِيدَ؛ فَإِنَّهُ يُدَيَّنُ. اهـ.
وقولك لها بعد ذلك: "أنت طالق" -وهي في الحيض- يقع به الطلاق في قول جمهور الفقهاء، وهو ما نرجّحه خلافًا لابن تيمية؛ فإنه لا يرى وقوع طلاق الحائض.
وقول الزوج لزوجته: "أنت طالق" يعدّ من صريح الطلاق؛ فلا اعتبار فيه للنية، أي أنه يقع، ولو لم يقصد الزوج الطلاق، قال ابن قدامة في الشرح الكبير: وجملة ذلك: أن الصريح لا يحتاج إلى نية، بل يقع من غير قصد، فمتى قال: أنت طالق، أو مطلقة، أو طلقتك؛ وقع من غير نية، بغير خلاف. اهـ.
وما ذكرنا في حكم تكرار الطلاق في الحالتين الأوليين نقوله في الحالتين الأخريين، وكذلك الحال بالنسبة للطلاق في الحيض، وأن الراجح عندنا وقوعه.
والغضب لا يمنع وقوع الطلاق، إلا إذا كان صاحبه لا يعي ما يقول، قال الرحيباني الحنبلي في مطالب أولي النهى: وَيَقَعُ الطَّلَاقُ مِمَّنْ غَضِبَ، وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فِي حَالِ غَضَبِهِ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنْ كُفْرٍ، وَقَتْلِ نَفْسٍ، وَأَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَطَلَاقٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. اهـ.
ولابن القيم تفصيل في حكم طلاق الغضبان، يوقع الطلاق في بعض الحالات دون بعضها الآخر.
وكما ترى ففي المسائل تفريعات، ويحتاج إلى معرفة قصدك في بعض الحالات.
ومن هنا: نرى أن تُشافِه بسؤالك أحد العلماء عندكم، أو تراجع المحكمة الشرعية.
وننبهك إلى أن الزوجين مطالبان بأن يحسن كل منهما عشرة الآخر.
وما ذكر من الضرب، والشتم؛ فهو نوع من الظلم، والاعتداء، فإما أن يكون بين الزوجين إمساك بمعروف، أو تفريق بإحسان، كما أمر الله عز وجل في محكم كتابه.
وإن من الخطورة بمكان أن يحدث ما سردته من الصراخ، والضرب أمام طفلكما؛ ففي هذا جناية عظيمة عليه، وكسر لخاطره. وإذا كان عنده شيء من التمييز؛ فربما علق ذلك بخاطره؛ فيؤثر على مستقبل حياته.
والله أعلم.