الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجوابنا يتلخص فيما يلي:
أولا: ليست كل أمانة تضمن في حال ضياعها أو تلفها، كما سبق في الفتوى: 397789.
ثانيا: إذا ثبت أنك ضامن لتلك الوديعة التي أضعتها، وكنت عاجزا عن دفع قيمتها للورثة، فأنت من جملة الغارمين، وجاز دفع الزكاة في سداد دينك.
ثالثا: لا تدفع الوديعة بعد العثور عليها إلى صاحب الزكاة الذي أعطاك زكاة ماله؛ لأنها ليست له، ولا يجوز له أن يعتاض عن زكاته الواجبة عليه بشيء، فالزكاة واجبة في ماله، وقد أخرجها وبرئت ذمته.
رابعا: لم نظفر بنقل عن الفقهاء فيمن ضاعت منه الوديعة ثم وجدها بعد أن ضُمِّنَ قيمتها ودفعها، هل يرد الوديعة إلى صاحبها ويسترد منه ما دفعه، أو تصير الوديعة ملكا له؟
والذي وقفنا عليه في مثل هذه المسألة هي مسألة: ما لو ضاع المغصوب من الغاصب، ودفع قيمته، ثم وجده هل يملك المغصوبَ، أم يرده للمغصوب منه ويسترد منه القيمة؟ قولان لأهل العلم، فذهب مالك وأبو حنيفة إلى القول الأول.
جاء في جواهر العقود -من كتب الشافعية-: وَإِذا غصب عبدا فأبق، أَو دَابَّة فهربت، أَو عينا فسرقت أَو ضَاعَت.
فَعِنْدَ مَالك: يغرم قيمَة ذَلِك، وَتصير الْقيمَة ملكا للْمَغْصُوب مِنْهُ، وَيصير الْمَغْصُوب عِنْده ملكا للْغَاصِب حَتَّى لَو وجد الْمَغْصُوب لم يكن للْمَغْصُوب مِنْهُ الرُّجُوع فِيهِ، وَلَا للْغَاصِب الرُّجُوع فِي الْقيمَة إِلَّا بتراضيهما. وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة. اهـ.
وذهب الشافعي إلى أن الغاصب يسترد القيمة، ويدفع المغصوب إلى صاحبه.
قال الماوردي -الشافعي- في الحاوي: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: "وَلَوْ غَصَبَهُ دَابَّةً فضاعت، فأدى قيمتها، ثم ظهرت. رُدَّتْ عَلَيْهِ وَرَدَّ مَا قُبِضَ مِنْ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ قِيمَتَهَا عَلَى أَنَّهَا فائتةٌ، فَكَانَ الْفَوتُ قَدْ بَطَلَ لَمَّا وُجِدَتْ. اهــ.
ولا نرى فرقا بين مسألة المغصوب إذا ضاع ثم وجد، وبين مسألة الوديعة إذا ضاعت ثم وجدت.
وعلى قول مالك وأبي حنيفة بأن الغاصب يملك المغصوب بعد أن دفع قيمته، فإن هذا في الوديعة أحرى.
ولو قيل بقول الشافعي فإنك ترد الوديعة للورثة، وتسترد مال الزكاة الذي دُفِعَ عنك باعتبارك غارما، وتدفعه في الدين الآخر الذي عليك من سنوات ولم تستطع سداده.
والله أعلم.