الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول عائشة -رضي الله عنها- في الحديث: حتى ذهب عامة الليل. معناه كثير منه، لا أكثره.
قال النووي: قوله في حديث عائشة: ذهب عامة الليل.. أَيْ كَثِير مِنْهُ، وَلَيْسَ الْمُرَاد أَكْثَره، وَلَا بُدّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيل؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لَوَقْتُهَا، وَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِهَذَا الْقَوْل مَا بَعْد نِصْف اللَّيْل؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَد مِن الْعُلَمَاء إِنَّ تَأْخِيرهَا إِلَى مَا بَعْد نِصْف اللَّيْل أَفْضَل. انتهى.
وأما كون الصائم يفطر بغروب الشمس، فهذا إجماع من المسلمين، وقد دل له الحديث الثابت في الصحيح دلالة قطعية.
قال صلى الله عليه وسلم: إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا، وغربت الشمس؛ فقد أفطر الصائم. متفق عليه من حديث عمر رضي الله عنه.
وأما ما يتعلق بحديث قيام داود -عليه السلام- فإننا لا ندري ما الصلوات التي فرضها الله على داود، لكن الذي بينه لنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ينام نصف الليل ليجم نفسه للعبادة، ثم يقوم الثلث، ثم ينام من السحر؛ ليصبح نشيطا طيب النفس.
قال ابن حجر: قَالَ الْمُهَلَّبُ: كَانَ دَاوُدُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يُجِمُّ نَفْسَهُ بِنَوْمِ أَوَّلِ اللَّيْلِ، ثُمَّ يَقُومُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُنَادِي اللَّهُ فِيهِ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ سُؤْلَهُ، ثُمَّ يَسْتَدِرْكُ بِالنَّوْمِ مَا يَسْتَرِيحُ بِهِ مِنْ نَصَبِ الْقِيَامِ فِي بَقِيَّةِ اللَّيْلِ. وَهَذَا هُوَ النَّوْمُ عِنْدَ السَّحَرِ، كَمَا تَرْجَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ.
وَإِنَّمَا صَارَتْ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَحَبَّ، مِنْ أَجْلِ الْأَخْذِ بِالرِّفْقِ لِلنَّفْسِ الَّتِي يُخْشَى مِنْهَا السَّآمَةُ. وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا. وَاللَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُدِيمَ فَضْلَهُ وَيُوَالِيَ إِحْسَانَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَرْفَقَ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ بَعْدَ الْقِيَامِ يُرِيحُ الْبَدَنَ، وَيُذْهِبُ ضَرَرَ السَّهَرِ وَذُبُولَ الْجِسْمِ، بِخِلَافِ السَّهَرِ إِلَى الصباح. انتهى.
والحاصل أن الليل يبدأ بغروب الشمس، وينتهي بطلوع الفجر، ثم يبدأ اليوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
هذا ما أمكننا بيانه بحسب ما ظهر لنا من الإشكال عندك، وإلا فسياق السؤال لا يخلو من اضطراب.
والله أعلم.