الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالعمل في مثل هذه الأحوال يبنى على الظن الغالب، ويبقى مجال الورع أوسع لمن أراد الاحتياط، قال الخادمي في بريقة محمودية: إن تعارضت الأدلة، فإن ترجح جانب الحرمة؛ فيجب العمل به، وإن الحِلُّ؛ فجائز العمل، والورع تركه.
وإن لم يترجح جانب؛ فجانب الحظر راجح على الإباحة.
وإن تعارضت العلامات الدالة على الحل والحرمة، كأن يخبر عدل بأن هذا المتاع حلال، وآخر حرام، فإن ظهر ترجيح؛ حكم به. وللورع الاجتناب، وإن لم يظهر؛ يجب التوقف. اهـ.
فإذا غلب على ظن السائلة -بقرائن الأحوال، وبما سمعته من أخبار عن هذا الرجل- أن ماله كله حرام؛ فعليها العمل بغلبة ظنها، وتجتنب هذه الأطعمة، وتنصح أهلها بذلك.
وأما إن كانت غلبة الظن بمجرد وجود الحرام في ماله -وإن كثر، أو غلب- ولكن خالطه مال حلال، ولو قليل؛ فحينئذ لا يحكم بحرمة الطعام، وإن كان اجتنابه أفضل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مجموع الفتاوى-: إن كان ذلك الرجل معروفًا بأن في ماله حرامًا، ترك معاملته ورعًا.
وإن كان أكثر ماله حرامًا، ففيه نزاع بين العلماء. اهـ.
وقال أيضًا: إذا كان في أموالهم حلال وحرام، ففي معاملتهم شبهة، لا يحكم بالتحريم إلا إذا عرف أنه يعطيه ما يحرم إعطاؤه.
ولا يحكم بالتحليل إلا إذا عرف أنه أعطاه من الحلال، فإن كان الحلال هو الأغلب؛ لم يحكم بتحريم المعاملة، وإن كان الحرام هو الأغلب، قيل: بحل المعاملة. وقيل: بل هي محرمة. اهـ.
وقد سبق لنا ذكر الخلاف في ذلك، وترجيح كراهة طعام من كان أغلب ماله من الحرام، وراجع في ذلك الفتوى: 6880.
والله أعلم.