الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كان ابن خالتك صاحب دِين وخُلُق؛ فما كان ينبغي لأبيك رفض تزويجه؛ لمجرد ما كان بينه وبين أمّه؛ فقد حث الشرع على اختيار الأكفاء في الزواج، كما في الحديث الذي رواه ابن ماجه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم من ترضون خُلُقه، ودِينه؛ فزوّجوه، إلا تفعلوا؛ تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض.
قال المناوي في فيض القدير: "فزوّجوه" ندبًا مؤكدًا. اهـ.
وإذا استخرت في الزواج منه، ولم يتم ذلك؛ فإن هذا قد يكون نتيجة لهذه الاستخارة؛ فإنها تعرف بالتوفيق للأمر المستخار فيه من عدمه، كما أوضحنا في الفتوى: 123457. وما ذكرناه هنا يشمل ما كان من أمر الزواج من الشاب الآخر.
وإذا فات الأمر؛ فلا تحزني، ولكن قولي: "قدر الله، وما شاء الله فعل"، ولا تفتحي على نفسك باب الحسرات، وعذاب النفس، روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت؛ كان كذا وكذا. ولكن قل: "قدر الله، وما شاء فعل"؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان.
ولا يجوز لك التواصل مع هذا الشاب؛ لكونه أجنبيًّا عنك، ومثل هذا التواصل قد يكون بابًا للفتنة، وذريعة للفساد؛ ولذلك شدّد الفقهاء في أمر التعامل بين الرجل والمرأة الأجنبية، ونقلنا نصوصهم بهذا الخصوص في الفتوى: 21582.
هذا بالإضافة إلى أن هذا التواصل يمكن أن يكون سببًا في إفساد خِطبته من تلك الفتاة، وربما ترتب على ذلك الأحقاد، والضغائن، كما بينا في الفتوى: 387823.
ولا شك في أن الزواج نوع من الرزق، وسيأتيك ما قدّر لك منه؛ ففوضي أمرك إلى الله تعالى، وسليه أن يرزقك الزوج الصالح.
هذا مع بذل الأسباب بالبحث عن طريق الثقات -من أقربائك، وصديقاتك-؛ فالمرأة يجوز لها شرعًا البحث عن الزوج الصالح، بل وعرض نفسها على من ترغب في زواجه منها؛ بشرط مراعاة آداب الشرع، واجتناب كل ما يؤدّي للفتنة، وانظري الفتوى: 65295.
ولا يجوز لك لوم والديك فيما حصل، فإن ذلك وإن كان سببًا إلا أن مثل هذا اللوم قد يكون فيه إيذاء لهما، مع عدم الفائدة؛ وبهذا يحصل العقوق، وراجعي الفتوى: 73463.
والله أعلم.