الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن صح ما ذكرت عن أبيك من إقامته علاقة غير شرعية مع امرأة أجنبية عليه؛ فقد أتى أمرا منكرا، فاتخاذ الخليلات من أخلاق الجاهلية التي جاء الشرع بتحريمها، كما في قوله عز وجل: مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ {المائدة:5}.
وسعيكم في هدايته، وحمله على الصلاح سعي مشكور، وهو من أعظم البر به، ونوصيكم بكثرة الدعاء له، فالله على كل شيء قدير، وهو قادر على إصلاحه، فقلوب العباد بين يديه يقلبها كيف يشاء، وقد أمر بالدعاء ووعد بالإجابة، قال سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}، وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى: 119608. ففيها بيان آداب الدعاء وأسباب إجابته.
وينبغي الاستمرار في سبيل إصلاحه، وبذل النصح له، ولكن بالحسنى، ولا يجوز لكم الإغلاظ عليه بحال، فإن لم يستجب لكم فدعوه مع كثرة الدعاء له؛ كما أسلفنا، والإنكار على الوالد ليس كالإنكار على غيره.
قال ابن مفلح في كتاب الآداب الشرعية: فصل من أمر الوالدين بالمعروف وينهاهما عن المنكر، وقال في رواية حنبل: إذا رأى أباه على أمر يكرهه يعلمه بغير عنف ولا إساءة، ولا يغلظ له في الكلام، وإلا تركه، وليس الأب كالأجنبي. اهـ.
وإن كان أعمامكم قد أخفوا عنكم حال أبيكم، ولم يخبروكم بذلك، فقد يكون لهم غرض صحيح في ذلك بالستر عليه، وعدم فضحه، وأن يجتهدوا معه لإرشاده لصوابه، ورده إلى جادة الحق، فحينئذ لا يكونون مسيئين بذلك، بل هم محسنون، وهذا بخلاف ما إذا ثبت أنهم أعانوه على معصيته، فيكونون شركاء له في الإثم، قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}.
وينبغي نصحهم في هذه الحالة بالتوبة من ذلك، ولا يجوز لكم قطيعتهم بحال، فهم من أرحامكم، ولكن يجوز الهجر من غير قطيعة، فهجر العاصي جائز، ولكنه يخضع للمصلحة، فيترك الهجر إن خشي أن يزيد صاحبه عنادا.
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: فإن كانت المصلحة في ذلك -أي: في هجر العاصي- راجحة، بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر، وخفيته؛ كان مشروعًا. وإن كان لا المهجور، ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته؛ لم يشرع الهجر.. بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف؛ ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتألف قومًا، ويهجر آخرين. اهـ.
وهذه المرأة كغيرها؛ حقها النصح لها، وتخويفها بالله -عز وجل-، فلعلها تتوب، وترجع إلى الله، فإن فعلت؛ فالحمد لله، وإلا؛ فيمكن تهديدها بإخبار وليها ليأخذ بيدها، فإن انتهت فذاك، وإلا ينبغي أن يلمح لوليها بمراقبتها والأخذ بيدها.
وفسقها يسقط حقها في الحضانة عند أكثر العلماء، فإنها بذلك قد تؤثر على المحضون، وتفسد أخلاقه، فينبغي أيضا إن لم ترتدع أن يلمح لوالد الرضيعة بالسعي في إسقاط حضانتها، وجعلها عند من هي أولى بها بعد أمها.
والله أعلم.