الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أخي أن الله تعالى يبتلي من شاء من عباده، بما شاء من الأمراض والأوجاع، تكفيراً لسيئاتهم، ورفعاً لدرجاتهم، وشرع لعباده طلب الدواء والبحث عنه، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: تداووا عباد الله، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داء واحد، قالوا: يا رسول الله ما هو؟: قال: الهرم. رواه أصحاب السنن.
والأدوية إما حسية يعرفها الأطباء بالتجربة والبحث فلا بأس بعرض نفسك عليهم فلعلك تجد عندهم دواء لما أصابك أو لبعضه، وإما معنوية وهي الرقية بالقرآن والأدعية النبوية والكلمات النافعة، والقرآن الكريم شفاء ورحمة، كما قال الله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا [الإسراء:82]، وفي صحيح مسلم من حديث عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا يا رسول الله: كيف ترى في ذلك؟ قال: اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك.
ولهذا اشترط بعض أهل العلم أن تكون الرقية باللسان العربي وما يعرف معناه، خوفا من استعمال ألفاظ شركية أو أسماء شياطين ونحو ذلك، والرقية إنما تكون بالقراءة والنفث على المريض، أو بكتابة ذلك ومحوه بالماء وشربه، ولا بأس أن تعرض نفسك على أحد المعروفين بالسنة ليرقيك ويرشدك إلى ما ينفعك، وننصحك أيضاً بفعل الآتي:
1- أن تلجأ إلى الله تعالى، وأن توقن أن الشفاء من عنده، وأن الأمر كله بيده.
2- أن تداوم على ذكر الله تعالى وقراءة القرآن، لا سيما أذكار الصباح والمساء والنوم والأكل والشرب والدخول والخروج، فإن الذكر جُنّة حصينة يتحصن بها الإنسان من الشيطان وجنده، ومن السحرة والعائنين وغيرهم.
3- أن تستعمل الرقية الشرعية، وأن تكررها حتى يذهب الله ما بك من بأس، وقد سبق لنا بيان صفة الرقية في الفتوى رقم: 4310.
4- أن تعلم أن الرقية مع كونها سببا للشفاء، قد لا تنفع أحياناً، لكونها صادفت محلا غير قابل، كأن يكون المرقي ضعيف التوكل، غير موقن بأثر الرقية، أو يكون واقعاً في محرمات تمنع استجابة دعائه كأكل الحرام من الربا وغيره، أو يكون المنزل مشتملا على منكرات تجلب الشياطين وتمنع دخول الملائكة، كالتماثيل والصور المعلقة والكلاب، ووسائل اللهو المحرم كالأغاني والأفلام الخليعة، ونوصيك بالإقبال على ربك في الثلث الأخير من الليل، وسؤاله العافية والشفاء والرحمة، وتذكر قوله تعالى: إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب.
ونذكرك بالصبر والاحتساب على كل حال، فإن حال العبد دائرة بين نعمة توجب الشكر، أو بلاء ومصيبة توجب الصبر، وعندما نذكرك بملازمة الصبر والاحتساب، فليس هذا بديلاً عن السعي في طلب العلاج، ولكن رغبة منا في أن تلقى جزاء ما أصابك من بلاء موفوراً عند ربك، فإن "من رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تزهد في أجر الصابرين، واستصحب هذه النية، فإنك إن خسرت شيئاً من الدنيا فستربح الآخرة بإذن الله، وما عند الله خير وأبقى، وراجع الفتوى رقم: 6347
والله أعلم.