الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل المولى العلي القدير أن ييسر أمرك، وينفس كربك، ويزيل عنك الهموم والغموم، ونوصيك بالالتجاء إلى الله سبحانه والتضرع إليه، فهو مجيب دعوة المضطر، وكاشف الضر، قال تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ الله قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل:62}، وراجع الفتوى، ففيها بيان آداب الدعاء.
والوصية الثانية هي الوصية بالصبر، فهو مفتاح للخير وعواقبه حميدة في الدنيا الآخرة، كما هو مبين في الفتوى 18103.
وهذه الوصية بالصبر تقتضي حفظ الشهوة عن الحرام، واجتناب الاستمناء؛ فإنه محرم، وسبب لكثير من المضار في دين فاعله ودنياه، وقد ضمنا بعضها الفتوى: 5524، وقد ذكرنا فيها أيضا بعض الأمور التي تعين على العفة من الصوم، واجتناب ما يثير الشهوة، ونحو ذلك.
والوصية بالصبر أيضا تقتضي مجاهدة أي خواطر شيطانية، أو تفكير في الانتحار، فذلك من كيد الشيطان لتخسر دنياك وأخراك، فالانتحار ليس علاجا، ولكنه انتقال إلى الشقاء الأعظم، فلا تجعله يسيطر على تفكيرك، فضلا عن أن تقدم عليه بالفعل، وانظر الفتوى: 10397.
وإذا وجدت فتاة ذات دين وخلق ترغب في الزواج منها، فحاول إقناع أبيك للموافقة على ذلك، ووسِّط إليه أهل الخير، مع الإكثار من الدعاء، فإن اقتنع فالحمد لله، وإلا فالأصل أن تطيعه، ولا تتزوج منها، ما لم تعارض ذلك مصلحة راجحة، وانظر الفتوى: 93194.
وإذا لم يكن لأبيك من قصد إلا التعنت؛ فلا شك في أن المصلحة الراجحة تقتضي أن تخالفه، وتتزوج ولو من غير رضاه، ولتجتهد بعد ذلك في سبيل كسب رضاه.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى: 76303، ففيها بيان حدود طاعة الوالدين.
ولا بأس بأن تتحرى الجمال مع الدين والخلق؛ فإن ذلك أصون للنفس عن الحرام، وأدعى لتحصيل العفة.
قال البهوتي في شرح منتهى الإرادات: ويسن أيضا تَخيُّر الجميلة للخبر، ولأنه أسكت لنفسه، وأغض لبصره، وأكمل لمودته؛ ولذلك شرع النظر قبل النكاح. وعن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله؛ أي النساء خير؟ قال: التي تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها، ولا في ماله بما يكره. رواه أحمد والنسائي. اهـ.
وقال المرداوي في الإنصاف: قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ: إذَا خَطَبَ رَجُلٌ امْرَأَةً سَأَلَ عن جَمَالِهَا أَوَّلًا، فَإِنْ حُمِدَ سَأَلَ عن دِينِهَا، فَإِنْ حُمِدَ تَزَوَّجَ، وَإِنْ لم يُحْمَدْ يَكُونُ رَدُّهُ لِأَجْلِ الدِّينِ. وَلَا يَسْأَلُ أَوَّلًا عن الدِّينِ، فَإِنْ حُمِدَ سَأَلَ عن الْجَمَالِ، فَإِنْ لم يُحْمَدْ رَدَّهَا، فَيَكُونُ رَدُّهُ لِلْجَمَالِ لَا لِلدِّينِ. انتهى
فهو إذن لا حرج فيه، ولكن لا ينبغي التشدد في ذلك، فإن لم يجد المرء ما يصبو إليه من الجمال، فليتحر الأمثل، بحيث يخطب امرأة دينة على قدر من الجمال، يروم أن تدوم معها العشرة، حتى لا يطول انتظاره، فيضيع العمر، ويفوت المقصود.
وقد أحسنت فيما قمت به من نصح الآخرين باجتناب العلاقات المحرمة، فجزاك الله خيرا، ومن حسن الظن بالله أن ترجو أن يكون ذلك سببا لإعانتك على الحصول على ما تصبو إليه، والله -عز وجل- عند ظن عبده به.
والله أعلم.