الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فعلى الابن أن يحرص على رضا والديه ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وأن يتجنّب كل ما يغضبهما في حضورهما، أو في غيبتهما؛ فقد صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ. رواه أحمد، والترمذي، وغيرهما، وصححه الألباني.
لكن وجوب طاعتهما، أو ترك ما يغضبهما في حضورهما، أو في غيبتهما، مقيّدان بأن يكون لهما غرض صحيح من الأمر أو النهي، كما نص على ذلك طائفة من أهل العلم، قال الهيتمي -رحمه الله- في الفتاوى: ... وحيث نشأ أمر الوالد أو نهيه عن مجرد الحمق؛ لم يلتفت إليه؛ أخذًا مما ذكره الأئمة في أمره لولده بطلاق زوجته...
وكذا يقال في الانتقال من مذهب إلى مذهب إذا طلب أبوه منه ذلك؛ لأنه لا غرض فيه صحيح، بل هو مجرد حمق.
ومع ذلك كله؛ فليحذر الولد من مخالفة والده، فلا يقدم عليها اغترارًا بظواهر ما ذكرنا، بل عليه التحرّي التام في ذلك، والرجوع لمن يثق بدِينهم، وكمال عقلهم، فإن رأوا للوالد عذرًا صحيحًا في الأمر أو النهي؛ وجبت عليه طاعته، وإن لم يروا له عذرًا صحيحًا؛ لم تلزمه طاعته...
والحاصل: أن مخالفة الوالد خطيرة جدًّا، فلا يقدم عليها إلا بعد إيضاح السبب المجوّز لها عند ذوي الكمال. اهـ منه بتصرف.
وعلى ذلك؛ فإن نهي الوالدين عن فعل أمر، أو أمرهما به- سواء كان ذلك في حضورهما، أم في غيبتهما- تجب طاعتهما فيه، إذا كان النهي أو الأمر لغرض صحيح. وفعل الولد أو تركه لذلك الأمر الذي يغضبهما في هذه الحالة، يعدّ عقوقًا، وإثمًا مبينًا.
وأما إذا لم يكن للوالدين غرض صحيح في النهي أو الأمر؛ فإن ترك الولد أو فعله لذلك الأمر لا يعدّ عقوقًا، ولا إثم عليه في تركه أو فعله، وخاصة إذا كان دون علمهما؛ لأنهما إذا لم يعلما بفعله، فلا يخفى أنه لن يترتب عليه إغضابهما. ولمزيد من الفائدة؛ انظر الفتاوى: 129353، 132806، 255307.
والله أعلم.