الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من مثارات الغلط الشائعة، والتي يصدر عنها مثل هذا السؤال هو عدم التمييز بين علة الحكم الشرعي، وبين الحكمة منه، فإن العلة: هي المعنى المنضبط الذي يناط به الحكم، وهي تدور مع الحكم وجودا وعدما، وأما الحكمة: فهي ما يترتب على ربط الحكم بعلته أو سببه، من جلب للمصالح أو دفع للمفاسد؛ فالحكمة التي شرع لها الحكم لا يصلح بها التعليل غالبا، ولا يستند عليها عند القياس، بخلاف العلة، فالحكم الشرعي يثبت بوجود علته وينتفي بانتفائها، وأما الحكمة: فليست كذلك في كل حال، فمثلا: القصاص علته: القتل العمد العدوان، والحكمة منه حفظ النفوس، فلو ادعى مدع أن القصاص من قاتل ما، لن يؤدي إلى حفظ النفوس، بل سيؤدي إلى إزهاق غيره من النفوس ثأرا وحمية للقاتل مثلا، أو أن حفظ النفوس حاصل بترك القصاص، لم يكن لدعواه تلك - ولو سُلم بصحتها - أثر في انتفاء الحكم الشرعي - الذي هو القصاص- وقصر المسافر للصلاة: علته السفر، والحكمة منه دفع المشقة الحاصلة غالبا للمسافر، فلو سافر أحد بلا مشقة جاز له القصر، ولو حصلت المشقة لمقيم لم يجز له القصر، كما سبق تفصيله في الفتوى: 287158.
وبعد هذا: فما ذكرته هي من حِكم تحريم النظر إلى الأجنبيات واللعب بالنرد، وليست عللا لها، فمن ظن أنه لن يفتن بالنظر، وأن اللعب بالنرد لن يصده عن ذكر الله وعن الصلاة، لم يقتض ذلك إباحة النظر، أو حل اللعب بالنرد، وانظر للفائدة حول الحكمة الفتويين: 297964، 286822.
والله أعلم.