الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فصلة الرحم واجبة، وقطعها محرم من كبائر المحرمات؛ ومفسدة قطع الرحم ظاهرة لكل ذي عقل، وفطرة سليمة؛ فقطع الرحم سبب لانهيار النظام الاجتماعي، ولا يرتاب مسلم في كون الشرع المطهر يضمن مصالح العباد في الدارين، وأنّ مخالفة الشرع سبب الفساد والخسران.
واعلمي أنّ صلة الرحم ليس لها في الشرع قدر معين، أو وسيلة محددة، ولكنّها تحصل بكل ما يعدّ في العرف صلة، وهي درجات متفاوتة، وتختلف باختلاف العرف، والأحوال، جاء في إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين: وصلة الرحم، أي: القرابة، مأمور بها أيضًا، وهي فعلك مع قريبك ما تعدّ به واصلًا، وتكون بالمال، وقضاء الحوائج، والزيارة، والمكاتبة، والمراسلة بالسلام، ونحو ذلك. انتهى.
وقال العيني -رحمه الله- في عمدة القاري شرح صحيح البخاري: قال القاضي عياض -رحمه الله-: وللصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة، وصلتها بالكلام -ولو بالسلام-، ويختلف ذلك باختلاف القدرة، والحاجة؛ فمنها واجب، ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة، ولم يصل غايتها؛ لا يسمّى قاطعًا، ولو قصر عما يقدر عليه، وينبغي له أن يفعله؛ لا يسمى واصلًا. انتهى.
فصلة الرحم أمر ميسور في وسع كل أحد، وإذا فرض أن بعض الأرحام كان مؤذيًا؛ فصلته تكون بما فيه اجتناب أذاه، وراجعي الفتوى: 425998.
وعليه؛ فالواجب عليك صلة أرحامك حسب طاقتك، بما لا يجلب لك ضررًا.
واعلمي أن قطع الرحم لا يبطل الصلاة، والصيام، وغيرها من العبادات؛ فلا يجب عليك إعادة شيء من الصلاة، أو الصيام بسبب قطع الرحم.
ووصيتنا لك أن تستعيني بالله تعالى، وتتوكّلي عليه.
ومن أعظم ما يعينك على الطاعات، ويجنّبك الوقوع في المعاصي، ويعينك على تحقيق ما تبتغين من النجاح في الدنيا؛ المحافظة على الصلاة، وإقامتها على وجهها؛ فإنّها مفتاح كل خير، قال تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ {البقرة:45}، قال السعدي -رحمه الله-: فبالصبر، وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه معونة عظيمة على كل أمر من الأمور، ومن يتصبّر يصبّره الله، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، يستعان بها على كل أمر من الأمور. انتهى.
والله أعلم.