الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز الجمع لأجل انقطاع الكهرباء والماء، وذلك لأنه لا مشقة في الذهاب إلى المسجد في الأوقات العادية، والصلاة أوقاتها محدودة من قبل الشارع، فلا تقدم عنها ولا تؤخر إلا بدليل، ولم يذكر العلماء الظلمة المعتادة من أسباب الجمع، بل كان الناس ولا يزالون يذهبون إلى المسجد في ظلام الليل، وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة، كما في الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجه.
وقد اتفق العلماء على مشروعية الجمع في عرفات ومزدلفة، واتفق أكثرهم على رخصة الجمع بسبب السفر، وفي الحضر لعذر مثل: المطر والخوف والمرض، وخالف الشافعية والأحناف في الأخيرين، فقالوا: لا يجوز الجمع بسبب المرض ولا الخوف، لأنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم أنه مرض أمراضا كثيرة، واحتج عليهم المجيزون من المالكية والحنابلة بحديث ابن عباس الثابت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا، وزاد مسلم في رواية: من غير خوف ولا سفر، وقالوا: فهذا يدل على أن الخوف أولى، وقد أيد النووي هذا القول وقال: هذا الوجه قوي جدا.
الأمر الثاني: هو أن الفقهاء بينوا أن الجمع لا يكون إلا في سفر أو في حضر لعذر من الأعذار المذكورة آنفا، وما شابهها من كل ما فيه مشقة كبيرة مثل: الطين والظلمة عند المالكية، وكذلك الثلج والجليد والوحل والبرد الشديد والمطر الذي يبل الثياب عند الحنابلة، وهذا عندهم فيمن يصلي جماعة بمسجد يقصد من بعيد، أما من هو في المسجد أو يصلي في بيته أو يمشي إلى المسجد مستترا بشيء أو كان المسجد بباب داره، فإنه لا يجوز له الجمع، قال في "المغني": ولا يجوز إلا في سفر يبيح القصر، وقال في "بداية المجتهد": وأما الجمع في الحضر لغير عذر، فإن مالكا وأكثر الفقهاء لا يجيزونه.
فتبين من هذا أن الجمع بسبب انقطاع الكهرباء ليس عذرا من أعذار الجمع حتى عند الحنابلة الذين يتوسعون في أعذار الجمع، لأنهم قالوا: إن عذر الجمع هو ما يبيح ترك الجماعة والجمعة، مثل: الخوف على نفسه أو ماله أو حرمته، أو تضرر في معيشة يحتاجها لأجل الجمع.
والله أعلم.