الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن حق الأم عظيم، وبرها مطلوب، وقد أوصى بها رب العالمين وصية خاصة حيث قال: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ {لقمان:14}.
قال ابن حجر في فتح الباري: وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين. فسوى بينهما في الوصاية، وخص الأم بالأمور الثلاثة. اهـ.
وجعلت السنة لها ثلاثة أرباع البر، ففي الحديث المتفق عليه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ:" أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ".
قال ابن بطال في شرحه على صحيح البخاري: وحديث أبي هريرة يدل على أن لها ثلاثة أرباع البر. اهـ.
ووجود الأم في الحياة فرصة للأولاد للعمل على برها واكتساب رضاها، فإن ذلك سبيل لرضا الله عز وجل، روى ابن ماجة عن معاوية بن جاهمة السلمي -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: ويحك، أحية أمك؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: ويحك الزم رجلها، فثم الجنة.
ولذا؛ ينبغي أن يكون هذا الأمر مضمارا للسباق في خدمة الأم ومساعدتها.
وسبق أن بينا أن مساعدة البنت لأمها في الخدمة واجبة إذا كانت الأم محتاجة لذلك، فراجعي الفتوى: 295024.
فإن كانت أمكم في حاجة لمن يساعدها في خدمة البيت، فذلك واجب على أولادها كل حسب استطاعته.
فإن كانت أختك ترفض مساعدة أمك -مع قدرتها على ذلك- فإنها مسيئة ومفرطة. وإن لم تعنها في خدمة البيت عموما فلا أقل من أن تقوم بشأنها في نفسها وما يختص بها، ولا تكون سببًا في زيادة عناء أمها.
وقد أحسنت بنصحها وتذكيرها بوجوب البر وخطر التقصير في حق الأم، وينبغي أن يستمر النصح بالرفق واللين ما رُجِيَ أن ينفع النصح.
هذا مع الاستمرار في الدعاء لها بأن يرزقها الله رشدها، ويردها للصواب. ويمكنك أن تستعيني في نصحها بآخرين ممن ترجين أن يكون قولهم مقبولا عندها.
وإن غلب على الظن عدم استجابتها، أو كان النصح يزيدها عنادا فيسعك السكوت، ولا حرج عليك فيه، فقد قال تعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى {الأعلى:9}.
قال السعدي في تفسيره: فذكِّر بشرع الله، وآياته، إن نفعت الذكرى، أي: ما دامت الذكرى مقبولة، والموعظة مسموعة -سواء حصل من الذكرى جميع المقصود، أو بعضه-، ومفهوم الآية: أنه إن لم تنفع الذكرى -بأن كان التذكير يزيد في الشر، أو ينقص من الخير-، لم تكن الذكرى مأمورًا بها، بل منهيًّا عنها. اهـ.
وإذا كانت أمك تتأذى من قيامك بنصح أختك، فاتركي النصح؛ لأنه يتحقق به عكس مقصودك وهو الإساءة لأمك بدلا من الإحسان إليها.
ويمكن الاستمرار في تسليط الأخيار عليها إن لم تترتب عليه تلك المفسدة، نعني تأذي أمك من هذا النصح.
نسأل الله تعالى أن يهدي أختك، ويصلح حالها.
والله أعلم.