الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمراد بالحجة: أي الحجة الحقيقية، والدليل الصحيح، وليس الحجج الواهية، والأدلة الباطلة، والتلبيسات، والغرور والخداع.
والسلطان المثبت للشيطان على أهل الضلال والغواية، كما في قوله تعالى: إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ {النحل:100}.
هو تسلطه عليهم بتحريضهم، وإغرائهم بالمعاصي، كما قال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا {مريم:83}.
وأما السلطان المنفي عن الشيطان على أتباعه، كما في قوله تعالى: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي {إبراهيم:22}.
فالمراد به سلطان الحجة والبرهان والدليل، فالشيطان حين دعا أتباعه من المنحرفين لم يكن له في ذلك حجة صحيحة، ولا بَيِّنة صادقة، وإنما غرهم وخدعهم بحجج كاذبة واهية، وافقت أهواء المنحرفين وأغراضهم، فاستجابوا له.
قال ابن القيم في عدة الصابرين: السلطان الذي أثبته له عليهم، غير الذي نفاه، من وجهين:
أحدهما: أن السلطان الثابت هو سلطان التمكن منهم، وتلاعبه بهم وسوقه إياهم كيف أراد، بتمكينهم اياه من ذلك بطاعته وموالاته.
والسلطان الذي نفاه: سلطان الحجة، فلم يكن لإبليس عليهم من حجة يتسلط بها، غير أنه دعاهم فأجابوه بلا حُجَّة، ولا برهان.
الثاني: أن الله لم يجعل له عليهم سلطانا ابتداء البتة، ولكن هم سلطوه على أنفسهم بطاعته، ودخولهم في جملة جنده وحزبه، فلم يتسلط عليهم بقوته؛ فإن كيده ضعيف، وإنما تسلط عليهم بإرادتهم واختيارهم. اهـ.
وراجعي للفائدة، الفتويين: 322585 - 42137.
والله أعلم.