الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالمشروع في تكبيرات الانتقال أن يأتي بها المصلي أثناء الانتقال، لا قبله، ولا بعده؛ بحيث يكون تكبيره للركوع مقارنًا لحركته.
فيبدأ التكبير حال انحنائه، ويختمه قبل أن يصل إلى حدّ الركوع؛ حتى يقع التكبير بين ركني القيام والركوع.
كما جاء في الصحيحين عن أَبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ، يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْد، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا.
ولذلك فإن تكبير هذا الإمام للركوع قبل أن يشرع فيه، يُعدّ خطأ، ويكون الخطأ أكبر إذا أكمل التكبير قبل أن يبدأ بالانحناء للركوع.
فقد أبطل كثير من الحنابلة صلاة من أتى ببعض التكبير في غير محلّه؛ لأنه أخلّ بواجب من واجبات الصلاة؛ فإن تكبيرات الانتقال واجبة عندهم. فتبطل الصلاة بذلك إن تعمَّدَه، وإن فعله سهوًا؛ لزمه السجود للسهو.
وذهب المحقّقون منهم إلى أن الصحيح أنه يُعفى عن ذلك؛ دفعًا للمشقة.
قال ابن رجب -الحنبلي- في فتح الباري: ويحتمل أن يُعفَى عن ذلك؛ لأن التحرّز منه يعسُر، والسهو به يكثر، وفي إبطال الصلاة بعمده، وإيجاب السجود لسهوه مشقة. اهـ.
وأما المأمومون فلا يجوز لهم الركوع قبل شروع إمامهم فيه؛ فإن متابعة الإمام واجبة؛ فلا يجوز سبقه، ولا التأخّر عنه تأخّرًا فاحشًا.
لما جاء في الصحيحين، وغيرهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إنما جعل الإمام ليُؤتمّ به، فإذا كبّر فكبّروا، وإذا ركع فاركعوا ...
وقال صلى الله عليه وسلم: .. فلا تسبقوني بالركوع، ولا بالسجود، ولا بالقيام، ولا بالانصراف. رواه مسلم.
وفي الصحيحين عن البراء، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قال: سمع الله لمن حمده؛ لم يَحْنِ أحد منا ظهره حتى يقع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساجدًا، ثم نقع سجودًا بعده.
وجاء في فتح الباري لابن رجب: وفي الحديث: دليل على أن المأموم يتابع الإمام، وتكون أفعاله بعد أفعال الإمام؛ فإن البَرَاء أخبر أنهم كانوا إذا رفعوا من الركوع، لم يَحْنِ أحد منهم ظهره حتى يقع النبي -صلى الله عليه وسلم- ساجدًا، ثم يسجدون بعده... اهـ.
وقد نصّ بعض أهل العلم على حرمة مسابقة الإمام، وأنّ تَعمُّد ذلك ربما يُبطِل الصلاة.
قال الإمام زروق في شرح رسالة ابن أبي زيد المالكي: فأما من تَعمّد الرفع قبل الإمام وقد ركع معه واطمأنّ؛ فبئس ما صنع. وإن لم يدركه الإمام راكعًا. فإن ركع قبله، ورفع قبله، ولم يفعل من الركوع معه قدر الواجب؛ فهو كتارك الركوع. انتهى.
ومعلوم أن الركوع ركن من أركان الصلاة، وتاركه صلاته باطلة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: أَمَّا مُسَابَقَةُ الْإِمَامِ فَحَرَامٌ، بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ. لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْكَعَ قَبْلَ إمَامِهِ، وَلَا يَرْفَعَ قَبْلَهُ، وَلَا يَسْجُدَ قَبْلَهُ. انتهى.
والحاصل: أن على هذا الإمام ألا يبدأ التكبير للانتقال من الركن إلا مع الشروع في الانتقال، وأن على المأمومين أن يتابعوا إمامهم في أفعال الصلاة كلها؛ فلا يسبقوه بشيء من أفعالها.
والله أعلم.