الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فبما أنك قد ندمت على ما فعلت، وتبت إلى الله تعالى؛ فعسى الله أن يقبل توبتك، ويعفو عنك ما كان من حقّ لله في ذلك، قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الندم توبة. رواه أحمد، والحاكم، وصححه الألباني.
ولكن التوبة من الذنوب التي فيها حقوق للعباد يشترط لصحّتها التحلّل من صاحب الحقّ، أو ردّه له؛ لما روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ -مِنْ عِرْضِهِ، أَوْ شَيْءٍ-؛ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ. إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ، أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ، أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ، فَحُمِلَ عَلَيْه.
وعليه؛ فإن أبرأتك الأمّ والأخت من حقّهما، فقد برئت ذمّتك، وإلا فرُدِّي إليهما ما أخذت منهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. أخرجه الترمذي.
وإن كنت نسيت مقداره بالتحديد؛ فاجتهدي في ردّ ما يغلب على ظنّك براءة ذمّتك به، واطلبي المسامحة منهما أيضًا.
وحاولي أن تصلحي ما بينك وبين أختك، وبيّني لها خطأك، ونَدَمَك عليه، وذكِّريها بأن الشرع جعل قطيعة الرحم من كبائر الذنوب المُتَوعَّد عليها باللعن؛ قال عزَّ وجلَّ: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ {محمد:22-23}، وخاصة إن كانت مع أقرب الأقارب -كالأبوين، والإخوة، ونحوهم-.
فإن أبت؛ فالإثم عليها، واستمرّي أنت في صلتها، والإحسان إليها، فقد قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ليس الواصِلُ بالمكافِئِ، ولكنَّ الواصلَ الذي إذا قطَعَتْ رَحِمُه وصَلَهَا. رواه البُخاريُّ.
ونوصيكِ بكثرة الاستغفار، والإكثار من الحسنات، ومصاحبة أهل الخير، ولزوم الذِّكْر، والدعاء، وإدمان التفكّر في الموت؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: أكثروا من ذكر هاذم اللذات، يعني: الموت. رواه أحمد، وابن ماجه، والنسائي، والترمذي، وقال: حسن صحيح.
ونسأل الله عز وجل أن يتقبّل توبتك، ويوفّقك إلى الخير، والصلاح.
والله أعلم.