الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد أوصى الله تعالى بالوالدين خيرا بأن يبرهما ولدهما ويحسن إليهما ولو كانا كافرين فضلا عن أن يكونا مسلمين، وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان15:14}.
فهذا الحق في الإحسان إليهما لا يسقط عن الولد، وإن أساءا إليه. ومن أعظم الإحسان إليهما الدعاء لهما بالهداية إلى الصراط المستقيم، وأن يرزقهما الله -عز وجل- طريق الرشد والصواب. وأداء الولد لهذا الحق على الوجه الأكمل مدعاة أن يعطفوا عليه أكثر، وأن يقبلوا منه ما أراد.
وحق الوالدين -وإن كان عظيما- إلا أن حق الله تعالى أعظم من حق الوالدين، ومن أعظم حقه امتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وقد أمر -سبحانه وتعالى- المرأة المسلمة بالحجاب، وجعله فريضة عليها، وقد دلت على فرضيته جملة من نصوص الكتاب والسنة سبق ذكر جملة منها في الفتوى: 63625.
وشعر رأس المرأة وذراعاها مما يجب ستره بالاتفاق، يقول الإمام ابن حزم في مراتب الإجماع: واتفقوا على أن شعر الحرة، وجسمها حاشا وجهها ويدها عورة، واختلفوا في الوجه واليدين حتى أظفارهما أعورة هي أم لا. انتهى.
فلو كان الأمر متعلقا بتغطية الوجه والكفين لكان أهون لوجود الخلاف الفقهي، ولكن الأمر متعلق بما هو محل إجماع، ولذلك ليس هو محلا للمساومة أو المجاملة، وطاعة الله سبحانه فيه مقدمة على طاعة الوالدين.
ومن أهم ما نوصيك به الاستعانة ببعض أهل الخير والفضل والعلم من الأقرباء أو الأصدقاء، وخاصة من له وجاهة عند والديك لبذل النصح لهما، وبيان أن من حقك عليهما صيانتك عن أسباب الفساد لا العكس، بناء على قول الله -عز وجل-: يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ {النساء:11}.
قال السعدي -رحمه الله-: أي: أولادكم -يا معشر الوالِدِين- عندكم ودائع، قد وصّاكم الله عليهم؛ لتقوموا بمصالحهم الدِّينية والدّنيوية، فتعلّمونهم، وتؤدّبونهم، وتكفّونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله، وملازمة التقوى على الدوام، كما قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ"؛ فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيّعوها؛ فيستحقّوا بذلك الوعيد، والعقاب. انتهى.
وعلى كل لا تجوز لك طاعتهما في نزع الحجاب، إلا إذا لحقك بسبب امتناعك عن ذلك أذى لا يحتمل، فيمكن أن تترخصي في فعل ما يدفع عنك ذلك الأذى، ولا تخرجي من بيتك إلا لضرورة، قال الله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {البقرة:173}، وقال تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النحل:106}،
وننبه إلى أن الضرورة التي تبيح المحظور أن يصل المرء إلى حد يمكن أن يلحقه الهلاك، أو يقارب الهلاك إن لم يرتكب المحظور، فيباح له حينئذ ارتكاب المحظور لدفع الضرورة، وإلا بقي الأمر على أصل الحظر.
ونوصيك أن تصبري، فعاقبة الصبر خير، وتتسلي بمن أوذوا من أجل دينهم من الأنبياء والصالحين والصالحات، واتخذيهم قدوة لك، روى البخاري في صحيحه عن خباب بن الأرت -رضي الله- قَالَ: شَكَوْنَا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وَهُوَ متوسِّد بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلَا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ.
والله أعلم.