الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن سبّ المسلم، ولا سيما الوالدان -لعظيم حقّهما- جُرْم عظيم، وإثم مبين، وهو معدود في كبائر الذنوب، قال الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر: الكبيرة التاسعة والثمانون، والتسعون، والحادية والتسعون بعد المائتين: سبّ المسلم، والاستطالة في عرضه، وتسبّب الإنسان في لعن أو شتم والديه، وإن لم يسبّهما، ولعْنه مسلمًا.
قال تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا}.
وأخرج الشيخان، والترمذيّ، والنسائيّ، وابن ماجه، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {سباب المسلم فسق، وقتاله كفر}... وأخرج البخاريّ، وغيره، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسبّ أبا الرجل؛ فيسبّ أباه، ويسبّ أمّه؛ فيسبّ أمّه}... انتهى.
وإذا كان هذا الحديث الأخير فيمن قد يتسبّب في شتم والديه، فكيف إذا شتمهما مباشرة؛ فذلك من أعظم العقوق.
فتجب التوبة النصوح، وهي المستوفية لشروطها، وسبق بيان هذه الشروط في الفتوى: 29785.
ويجب الاستسماح إن كان هذا السباب بحضرة أو علم الشخص، بخلاف ما إذا كان لم يطّلع عليه، وهذا جارٍ في جميع الحقوق المعنوية، قال النووي في روضة الطالبين عند الكلام عن التوبة من حقوق المخلوقين المعنوية: وأما الغيبة إذا لم تبلغ المغتاب، فرأيت في فتاوى الحناطي أنه يكفيه الندم، والاستغفار، وإن بلغته، أو طرد طارد قياس القصاص، والقذف فيها؛ فالطريق أن يأتي المغتاب، ويستحلّ منه. فإن تعذّر لموته، أو تعسّر لغيبته البعيدة، استغفر الله تعالى، ولا اعتبار بتحليل الورثة. انتهى.
لكن إن كان الاستحلال يؤدّي إلى مفسدة أعظم من مفسدة السبّ، أو الاغتياب؛ فمن أهل العلم من يرى في هذه الحالة أنه يكفي الدعاء لمن وقع عليه السبّ، وذِكْره بخير، وتراجع الفتوى: 18180.
والله أعلم.