الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن تذكر الموت والاتعاظ به والاعتبار كل ذلك مطلوب شرعاً، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا ذكر هادم اللذات، يعني الموت. رواه النسائي والترمذي وابن ماجه وأحمد وصححه الألباني.
قال الدقاق: من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء تعجيل التوبة وقناعة القلب ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء تسويف التوبة وترك الرضا بالكفاف والتكاسل في العبادة. التذكرة.
وقال السدي في قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:2] أي أكثركم للموت ذكراً وله أحسن استعداداً ومنه أشد خوفاً وحذراً، وقال القائل:
صاح شمر ولا تزل ذاكر الموت فنسيانه ضلال مبين
وعلى هذا فالمطلوب من المسلم أن يكون ذاكر للموت مجتهداً في العمل الصالح، أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [الزمر:9]، لكن ليس للدرجة التي تصل إلى القنوط أو اليأس من رحمة الله، نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ [الحجر:49-50].
وأما الخوف من الجنون فلعله من وساوس الشيطان وكذا المبالغة في الخوف من الموت، قال ابن القيم رحمه الله: فإن الشيطان يشم قلب العبد ويختبره فإن رأى فيه داعية للبدعة وإعراضاً عن كمال الانقياد للحسنة أخرجه عن الاعتصام بها وإن رأى فيه حرصاً على السنة وشدة طلب لها لم يظفر به من باب اقتطاعه عنها فأمره بالاجتهاد والجور على النفس ومجاوزة حد الاقتصاد فيها قائلاً له: إن هذا خير وطاعة والزيادة والاجتهاد فيها أكمل، فلا تفتر مع أهل الفتور، ولا تنم مع أهل النوم، فلا يزال يحثه ويحرضه حتى يخرجه عن الاقتصاد فيها فيخرج عن حدها كما أن الأول خارج عن هذا الحد فكذا هذا الآخر خارج عن الحد الآخر.
فالواجب عليك أخي العزيز نسأل الله لك التثبيت والتوفيق والعافية في الدنيا والآخرة ألا تستسلم لكيد الشيطان ووساوسه وعليك بالالتجاء إلى الله تعالى والاستمرار على طاعته وهو بفضله سينقذك مما أنت فيه، وللمزيد من الفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11500، 15026، 22947، 22458.
والله أعلم.