الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن وضع الرجل على الخبز مكروه؛ لما فيه من التهاون في إكرامه.
قال الزرقاني في شرحه على مختصر خليل: والمعتمد أن امتهان الخبز مكروه. أي حتى بِوَضْعِ الرِّجْلِ عَلَيْهِ، أَوْ وَضْعِهِ عَلَيْهَا. اهـ. وراجع لمزيد الفائدة عن ذلك، الفتوى: 197245.
ومعلوم أن الكراهة تزول مع الحاجة، ويبدو أن من ذلك ما ذكره السائل من الحاجة إلى كبس هذا الطعام، وعدم القدرة على فعل ذلك باليد، ولذلك لا نرى عليه حرجا في فعل ما ذكر، وانظر للفائدة الفتوى: 401206.
ومما يمكن أن يستدل به على ذلك: أن الناس لا زالت عادتهم استعمال الحيوان في دوس الزرع لاستخراج الحب، ولذلك جاء في حديث أم زرع: وجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنق. رواه البخاري ومسلم.
قال زكريا الأنصاري في «منحة الباري»: (ودائس) أي: بقر يدوس الزرع؛ ليخرج الحب من السنبل. اهـ.
وقال ابن حجر الهيتمي في «أشرف الوسائل»: (دائس) اسم فاعل من الدوس، وهو البقر الذى يدوس الزرع في بيدره. اهـ.
ولم يكن ذلك محل إنكار من الفقهاء، بل يذكرون هذا الفعل كالمُقِرِّين لأصله، وليبحثوا ما يترتب عليه من الأحكام، كحكم استئجار البقر والغنم لأجل ذلك.
قال ابن قدامة في «الكافي»: وتجوز إجارة .. الغنم لتدوس الزرع والطين؛ لأنها منفعة مباحة يجوز أخذ العوض عنها .. اهـ.
وقال البهوتي في «كشاف القناع»: وكذا استئجار البقر وغيرها لدياس الزرع، واستئجار غنم لتدوس له طينا (أو زرعا) معينا أو موصوفا. اهـ.
وسئل الشوكاني -كما في الفتح الرباني- عما يقع في حال الدياس للزرع من الحمير والأتن من الروث والبول على الحب المداس، فماذا يكون الحكم فيه؟ وهل يجوز ذلك مما لا يؤكل لحمه؛ لأن فيه تعريض المداس للإهانة بوقوع الروث النجس، والبول النجس عليه .. الخ. فجاء في جواب الشوكاني: لا شك أن الزرع الذي وقع السؤال عنه عند دياسته بدواب لا تؤكل كالحمير والأتن محكوم له بالطهارة؛ لأنه متولد بين طاهرين: التراب الذي نبت، والماء الذي سقي به، بل هما مستحقان لوصف زائد على مجرد كونهما طاهرين وهو أنهما مطهران لغيرهما. وإذا تقرر أن الزرع المذكور طاهر وأن طهارته مجمع عليها من جميع المسلمين فالواجب استصحاب هذا الأصل. ومن عرضت له شكوك فسأل عن طهارتها قلنا كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمر رضي الله عنه إنه متكلف. اهـ.
والله أعلم.