الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج همك، وييسر أمرك، ويحفظ لك دينك وعرضك.
وسنبدأ جوابنا من حيث انتهى سؤالك، فنقول لك إن مثل هذا السؤال ينبغي أن تراجعي فيه المحكمة الشرعية، أو ما يقوم مقامها في البلاد غير الإسلامية.
فإن لم يوجد، فيمكن مشافهة العلماء في ذلك البلد، حتى يتسنى لهم الاستفصال فيما قد يحتاج لاستفصال، وبيان الحكم الشرعي في هذه القضية.
والذي يمكن أن نلفت نظرك إليه لعله ينفعك في مستقبل أمرك هو أن الزواج من الشعائر العظيمة، به تستحل الفروج، وقد سماه المولى تبارك وتعالى في كتابه بالميثاق الغليظ حيث قال: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا {النساء:21}.
وروى مسلم في صحيحه عن جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في خطبته في حجة الوداع: فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله. فهو إذن ليس مجالا للعبث به، أو التساهل فيه دون مراعاة أسس اختيار الزوج، ومن أهمها الدين، والخلق، والاعتناء بالضوابط الشرعية لصحة هذا العقد والميثاق الغليظ، كما سماه الله تعالى بذلك.
ومن أهم تلك الضوابط وجود الولي والشهود، فيزوج المرأة عصبتها، وهم أقرباؤها من جهة أبيها، كأبيها ومن بعده حسب الترتيب الذي ذكره الفقهاء، وللشرع حكمته في اشتراط الولي في الزواج، وذلك أن الرجل أعرف بالرجال وأحوالهم وخاصة من جهة الدين والخلق؛ لما هو غالب من مخالطته لهم، أو إمكانية البحث والسؤال عنهم، فيختار لموليته من هو أصلح لها.
وسبق أن ذكرنا هذا وغيره من وجوه الحكمة في اشتراط الولي في الزواج، وذلك في الفتوى 65069.
والواجب على من يجهل الحكم الشرعي أن يسأل قبل الإقدام على العمل.
قال القرطبي في تفسيره: فرض العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها؛ لعدم أهليته، فيما لا يعلمه من أمر دِينه، ويحتاج إليه، أن يقصد أعلم من في زمانه وبلده، فيسأله عن نازلته، فيمتثل فيها فتواه؛ لقوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النحل:43}. وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه؛ حتى يقع عليه الاتفاق من الأكثر من الناس. اهـ.
والله أعلم.