الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالجمهور على أنّ الزوجة لا يحقّ لها أن ترجع فيما وهبته لزوجها، لكن بعض أهل العلم جوّز لها الرجوع في الهبة، ولا سيما إذا سألها زوجها المال، فوهبته له مخافة غضبه، ونحو ذلك.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: فأما هبة المرأة لزوجها، فعن أحمد فيه روايتان. إحداهما: لا رجوع لها فيها. ..... والثانية: لها الرجوع.
قال الأثرم: سمعت أحمد يسأل عن المرأة تهب، ثم ترجع، فرأيته يجعل النساء غير الرجال. ثم ذكر الحديث: «إنما يرجع في المواهب النساء، وشرار الأقوام» . وذكر حديث عمر: إن النساء يعطين أزواجهن رغبة ورهبة، فأيما امرأة أعطت زوجها شيئا، ثم أرادت أن تعتصره، فهي أحق به. رواه الأثرم بإسناده.....
وعن أحمد رواية أخرى ثالثة، نقلها أبو طالب، إذا وهبت له مهرها، فإن كان سألها ذلك، رده إليها، رضيت أو كرهت؛ لأنها لا تهب إلا مخافة غضبه، أو إضرار بها بأن يتزوج عليها. وإن لم يكن سألها، وتبرعت به، فهو جائز. فظاهر هذه الرواية، أنه متى كانت مع الهبة قرينة، من مسألته لها، أو غضبه عليها، أو ما يدل على خوفها منه، فلها الرجوع؛ لأن شاهد الحال يدل على أنها لم تطب بها نفسها، وإنما أباحه الله تعالى عند طيب نفسها، بقوله تعالى: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} [النساء: 4]. انتهى.
وعليه؛ فإن كانت الزوجة أخرجت مالها لزوجها على وجه الهبة، لا القرض، لا عن طيب نفس، ولكن اتقاء لشره؛ فلا نرى مانعا من الرجوع في هبتها تلك.
وإذا خشيت الشقاق إذا طالبته بما وهبته له؛ فلها الأخذ بقول من يجيز لها أخذ حقّها من ماله دون علمه.
وراجعي الفتوى: 28871، والفتوى: 116234.
والله أعلم.