الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلعل الأولى أن تجلس مع والدك، وتكلمه بشأن أمك، وأمر مرضها، أو تستعين بمن يمكن أن يكلمه من فضلاء الناس، والذين ترجو أن يسمع كلامهم، ويستجيب لهم؛ ليزول الإشكال من أصله. وينبغي الاجتهاد والسعي في سبيل علاجها.
وإذا لم يتيسر إقناع الوالد بأن تكون معه في البيت، ولم ترتض زوجتك سكناها معكم في بيت الزوجية. فاستئجارك لها بيتا لسكناها فيه أمر طيب، على أن لا تُتْرك على حال من الانفراد يمكن أن تتعرض فيها للخطر أو المهلكة، ما دامت تحتاج إلى من يرعاها.
وليس عليك أن تسكنها معك في البيت، بل لو أردت إسكانها فيه، فيلزم استئذان زوجتك في ذلك؛ لأن من حقها أن تكون في مسكن مستقل، وأن تمتنع من إسكان أي من أهلك معها. وراجع الفتوى: 34802.
وما أسميته بالانفلات، إن كان شيئا من الإساءة بقول أو فعل -وإن قلَّت- فإن ذلك عقوق، فقد حرم الله -عز وجل- مجرد التأفيف وإظهار الضجر، فغيره من رفع الصوت ونحوه أولى بالمنع. قال تعالى: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا {الإسراء:23}.
قال ابن عطية في تفسيره المحرر الوجيز عن كلمة:"أف" في هذه الآية: وجَعَلَ اللهُ -تَعالى- هَذِهِ اللَفْظَةَ مَثَلًا لِجَمِيعِ ما يُمْكِنُ أنْ يُقابِلَ بِهِ الآباءَ مِمّا يَكْرَهُونَ، فَلَمْ تُرَدْ هَذِهِ اللَفْظَةَ في نَفْسِها، وإنَّما هي مِثالُ الأعْظَمِ مِنها والأقَلِّ. فَهَذا هو مَفْهُومُ الخِطابِ المَسْكُوتِ عنهُ، حُكْمُهُ حُكْمُ المَذْكُورِ. انتهى.
والعقوق جُرْم عظيم، وكبيرة من كبائر الذنوب، وكفارته التوبة النصوح، وسبق بيان شروطها في الفتوى: 5450.
وعليك بالاجتهاد في بر أمك، والإحسان إليها. ولك عظيم الأجر والثواب. كما أنه سبب أيضا لبر أبنائك بك بإذن الله، ولخير كثير في الدنيا والٱخرة.
والله أعلم.