الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزى الله -عز وجل- أمك خيرا على القيام بالمسؤولية تجاهكم، ونسأله -سبحانه- أن يشفي والدكم من الصرع.
وإن كان والدكم يقوم بهذه التصرفات من غير اختيار منه بسبب الصرع، فلا مؤاخذة عليه في ذلك؛ لأنه -حينئذ- غير مكلف. وقد قال تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:5}.
وثبت في حديث ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله وضع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه.
وإن كان يقوم بذلك في حال اختياره، فيعتدي على أمك، ويعاملكم بقسوة؛ فإنه مسيء بذلك، وأفعاله هذه تتنافى مع هو مأمور به من حسن عشرة أهله، كما قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}.
وروى الترمذي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي.
ولم تذكري لنا كيفية ردك على والدك عند ضربه أمك، حتى نحكم عليه إن كان عقوقًا أم لا، ولكن إن كان كلامًا فيه نصيحة في حدود الأدب من غير تعنيف، ورفع صوت عليه؛ فلا حرج في ذلك.
وإن كان قد صدر منك إساءة إليه بقول، أو فعل -وإن قلَّتْ- فهذا من العقوق، فالله -عز وجل- قد نهى عن مجرد إظهار الضجر عنده، كما قال الله سبحانه: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا {الإسراء:23}.
نقل العيني في كتابه عمدة القاري، عن الشيخ تقي الدين السبكي، وهو يبين ضابط العقوق، أنه قال: إن ضابط العقوق: إيذاؤهما بأي نوعٍ كان، من أنواع الأذى، قلّ، أو كثر، نهيا عنه، أو لم ينهيا، أو يخالفهما فيما يأمران، أو ينهيان؛ بشرط انتفاء المعصية. اهـ.
وابتعادك عنه، إن لم يكن عن قطيعةٍ منك له، ولم يكن يتأذى منه، فلا حرج عليك فيه، وخاصةً إن كنت تتقين بذلك ما قد يكون منه من أذًى لك، فلا تكونين عاقةً له بالابتعاد عنه.
واجتهدي في بره والإحسان إليه بما تقدرين عليه، والدعاء له بخير؛ فمن حق الوالد الإحسان إليه وإن أساء، وراجعي للمزيد، الفتوى: 461065.
والله أعلم.