الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاعلم -أخي السائل- أن الوصية شأنها عظيم، ولا بد من الوقوف على تفاصيلها ولفظها بالضبط، ولا يكفي نقلها بالمعنى.
وإن وقع خلاف بين الورثة بشأنها، فإن قضايا المنازعات محلُّهُا القضاء، وذلك لأنه الأقدر على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوى، والبينات، والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسّس على ذلك.
وأما المفتي؛ فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوّره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء؛ ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا.
وما سنذكره هنا إنما هو على سبيل العموم، والإرشاد، والتوجيه.
فنقول: إن وصية أبيك بتزويج أختكم الصغرى: إن كنت تعني أنه أوصى بأن تُزَوَّجَ من التركة، فهذه وصية لوارث، وهي ممنوعة شرعا، ولا تمضي إلا برضا بقية الورثة البالغين الراشدين. وإن كان فيهم صغير أو كبير غير راشد، فلا تمضي الوصية في نصيبه. وانظر الفتوى: 436360.
وكذا وصيته بتأخير قسمة بعض التركة إلى ما بعد تزويج ابنته، لا عبرة بها فيما يظهر؛ لأنها ليست وصية بمال أصلا يصرف في جهة معينة. والتركة تصير بوفاته ملكا للورثة، ومن حق كل وارث أن يقبض نصيبه، فالوصية بتأخير تسليمه نصيبه لا فائدة معتبرة فيها، ومجرد تَحَكُّم لا علاقة له بالوصية الشرعية التي يجب على الورثة إمضائها.
كما أن الوصية المعتبرة شرعا لا تثبت بشهادة شخص واحد، كما بيناه في الفتوى: 315721.
والله أعلم.