الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا وجه لهذا القنوط وذلك اليأس، فإن كلامك في حق تائب قد أقلع عن هذه الكبائر، وهذا التائب يغفر له ويمحى ذنبه كائنا ما كان.
بدلالة ما ذكرته من النصوص وغيره، وقد قال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب، كمن لا ذنب له.
فمن تاب توبة صادقة، وندم على ما فعل، فقد محي ذنبه، ثم إن أكثر من الحسنات فذلك زيادة خير.
ومن عمل الحسنات ولم يتب، فقد تخفف تلك الحسنات من إثم ما ارتكبه من الكبائر، كما قرره بعض أهل العلم.
وممن ذهب إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية، قال -رحمه الله- ما مختصره: قد جَاءَ التَّصْرِيحُ فِي كَثِيرٍ مِن الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ قَدْ تَكُونُ مَعَ الْكَبَائِرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِن الزَّحْفِ. وَفِي السُّنَنِ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ أَوْجَبَ. فَقَالَ: أَعْتِقُوا عَنْهُ، يُعْتِق اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِن النَّارِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَق. وقد جاء فِي غَيْرِ حَدِيثٍ أَنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ مِنْ عَمَلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ، فَإِنْ أَكْمَلَهَا وَإِلَّا قِيلَ: اُنْظُرُوا هَلْ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ أُكْمِلَتْ بِهِ الْفَرِيضَةُ، ثُمَّ يُصْنَعُ بِسَائِرِ أَعْمَالِهِ كَذَلِكَ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ النَّقْصَ الْمُكَمِّلَ لَا يَكُونُ لِتَرْكِ مُسْتَحَبٍّ؛ فَإِنَّ تَرْكَ الْمُسْتَحَبِّ لَا يَحْتَاجُ إلَى جبران. وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ الْمُسْتَحَبِّ الْمَتْرُوكِ وَالْمَفْعُولِ. فَعُلِمَ أَنَّهُ يَكْمُلُ نَقْصُ الْفَرَائِضِ مِن التَّطَوُّعَاتِ... إلى آخر كلامه رحمه الله.
والله أعلم.