الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الإجارة من العقود اللازمة عند عامة العلماء، فلا يجوز لأحد الطرفين فسخها إلا برضا الطرفين.
جاء في المغني لابن قدامة: والإجارة عقد لازم من الطرفين، ليس لواحد منهما فسخها. وبهذا قال مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي. اهـ.
وإذا كان كذلك، فأجرة مدة الإجارة تلزم المستأجر، ويتملك بذلك منفعة العين المؤجرة مدة الإجارة.
جاء في المغني لابن قدامة: (ومن استأجر عقارا مدة بعينها، فبدا له قبل تقضِّيها، فقد لزمته الأجرة كاملة) وجملته أن الإجارة عقد لازم يقتضي تمليك المؤجر الأجر، والمستأجر المنافع، فإذا فسخ المستأجر الإجارة قبل انقضاء مدتها، وترك الانتفاع اختيارا منه، لم تنفسخ الإجارة، والأجر لازم له، ولم يزل ملكه عن المنافع، كما لو اشترى شيئا وقبضه، ثم تركه.
قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: رجل اكترى بعيرا، فلما قدم المدينة، قال له: فاسخني. قال: ليس ذلك له، قد لزمه الكراء. قلت: فإن مرض المستكري بالمدينة؟ فلم يجعل له فسخا، وذلك لأنه عقد لازم بين الطرفين، فلم يملك أحد المتعاقدين فسخه، وإن فسخه لم يسقط العوض الواجب عليه، كالبيع. اهـ.
لكن يستحب لك أن تقبل إقالته إن طلبها منك. فقد روى أبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من أقال مسلما، أقال الله عثرته.
والراجح عندنا أن الإقالة فسخ، كما سبق في الفتوى:58367.
وعلى هذا القول -وهو أن الإقالة فسخ، لا بيع- فلا تصح بزيادة في الثمن.
قال البهوتي الحنبلي: ولا تصح مع تلف مثمن، أو موت عاقد، ولا بزيادة على ثمن أو نقصه. اهـ.
وعليه؛ فإن رضيت بالإقالة؛ فلا يصح لك أن تأخذ قيمة الشهر المقدم كاملاً، إلا حصة الأيام التي انتفع المستأجر بها.
وانظر أقوال أهل العلم في فسخ الإجارة بالعذر في الفتوى: 46107.
والله أعلم.